إريك باركنسون
نشر إريك باركنسون مراجعة لكتابي والذي عنوانه «Moving Pictures: A New Theory of Film Genres, Feelings and Cognition». قدمت المراجعة وصفًا لبعض النقاط الرئيسة في كتابي، منها على سبيل المثال وصف الفرق بين مشاهدة أفلام الأكشِن والأفلام من النوع ذات الترابط الغنائي التي يمنع فيها التمثيل من منطلق العواطف. وأود أن أشكر إريك باركنسون على ملاحظاته الموجزة عن هذه الأجزاء من الكتاب. ومع ذلك، كان لدى باركنسون بعض التحفظات حول الكتاب.
وتمثلت اعتراضاته الرئيسية في أن، أولًا يجب أن يقدم كتابي وصفًا عامًا أكثر للعلاقة بين الجماليات «التقليدية» والعلمية / المعرفية. وثانيًا أن النهج المعرفي يهدد متعة قراءة الوصف الجمالي التقليدي وغير العلمي، فيقول: «أقر بأني أعاني من حالة أسميها «الحنين إلى النزعات النفسانية». فإن إعادة صياغة الجماليات في صورة نظام قائم على التجربة يمحي المتعة التي نشعر بها عندما يتم صياغة تفسير التأثير الجمالي بعباراتٍ غير علمية».
لا أعتقد أن هذين الاعتراضين منصفين إنصافًا تامًا لكتابي، فبينما يذكر باركنسون أنني أشرح العلاقة بين النهج الذي اتخذته والأساليب الأكثر تقليدية في عمليات التحديد والتعاطف والرعب، فإنه يغفل عن العديد من الحالات التي أقوم فيها بكل صراحة بطرح بدائل للنظريات القائمة في جماليات الأفلام. وسوف أشير إلى بعض المجالات التي قارنت فيها بشكل صريح بين نظرياتي الجمالية الجديدة مع الأوصاف الجمالية التقليدية.
1. قمت بمناقشة نظرية معرفية جديدة لشرح التأثيرات الفكاهية، واصفًا القصص المصورة باعتبارها رد فعل مُلقن للمشاهد تجاه بعض المواقف العاطفية والعقلية، عن طريق رد فعل فطري يعيد تعريف الحالة الواقعية للذين يخوضون التجربة. لقد أوضحت بالتفصيل كيف تتفوق نظريتي على النظريات الموجودة، بدءًا من نظريات باسكال وكانط وشوبنهاور وحتى نظريات فرويد وكارول وغيرهم.
2. قمت بمناقشة نظرية جديدة عن حالة الواقع في الأعمال الخيالية، فأوضحت أن الوجود العقلي للتصورات والصور يسبق تقييم حالتها الواقعية. وأوضحت كذلك أن نظريتي تقدم أوصافًا أكثر عمومية وبساطة لتأثير الأفلام «والتجارب العقلية» مقارنة بالنظريات الحالية – كنظريات التحليل النفسي وغيرها.
3. طرحت نظرية الميلودراما باعتبارها وسيلة لمحاكاة التجارب الذاتية عن طريق منع التنفس العاطفي وتلقين الاستجابات التلقائية، وأوضحت كيف أن النظريات الحالية، مثل نظريتي بيتر بروكس وتوماس السايسر، تخلط بين السبب والنتيجة من خلال الإدعاء بأن الأعمال الخيالية الميلودرامية تعبر عن تجربة مكبوتة من خلال إظهار عدم التواصل.
4. أوضحت كيفية ارتباط السرديات الخطية بالوظائف العقلية الفطرية، وناقشت النظريات الناشئة عن الفلسفة الرومانسية والنظرية النقدية، زاعمًا أن مثل هذه النماذج العقلانية من التمثيلات ناتجة عن فكر برجوازي، غربي وذكوري أو حتى «عقلاني» محدد ثقافيًا.
5. أوضحت كذلك كيف أن الثنائية الرومانسية بين العقل والعاطفة تفشل في التعبير عن طبيعة الاختلاف بين هذين النوعين من التجارب رغم أنهما نوعين من التجارب المترابطة والفطرية.
6. أوضحت كيف أن النظرية المعرفية تقدم وصفاً أفضل لتجربة الوقت مقارنة بالأوصاف البنيوية الحالية «مثل نهج غينيت».
7. أوضحت كيف يمكن لوصف عمليات الدماغ أن يثري فهمنا لسلسلة من التأثيرات الجمالية التي لا غنى عنها في الأفلام المجردة والأوصاف التقليدية للتكوين البصري.
أما بالنسبة «لحنين باركنسون إلى النزعات النفسانية»، فأنا لا أفهم تمامًا وجه الاعتراض، إلا أنه يمكنني تخمين بعض أسباب سوء فهمه لمشروعي. وأعتقد أنه من المهم للغاية التمييز بين المستويات المختلفة للتفسيرات.
وكما أكدت سابقًا، كان هدفي تقديم وصف لتجربتنا الظاهرية مع الأفلام. لماذا تمنح بعض التأثيرات مثل «إيقاف الصورة» تجربة ذاتية بينما تمنح «الأطر السردية» تجارب موضوعية ومضطربة؟ لماذا نضحك أو نبكي في بعض المواقف؟ ما مدى أهمية أن يكون البطل قادرًا على التصرف من منطلق إرادته الحرة أو أن يكون أسيرًا لبعض العمليات التلقائية؟ فيجب وصف كل هذه التجارب والتحولات وصفًا سليمًا باستخدام لغة ظواهرية وتشبيهية وذلك لأهمية الظواهر المحورية في تجاربنا الجمالية الاعتيادية.
قدمت بعد ذلك نموذجًا «لتدفقنا» العقلي التجريبي من التصور الذهني، وذلك من خلال الإدراك والترابط والإثارة العاطفية تجاه التصرفات، وأوضحت قدرة هذا التدفق الظاهري على تفسير تجربتنا المتمثلة في سلسلة من التأثيرات الجمالية. وأعتقد أن هذا الطرح كله في غاية «الإنسانية» و«والبساطة» والتشبيه.
لكنني استعنت أيضًا بالمعرفة التي قدمها علم الدماغ الحديث لأثبت أن وصفي الظاهري ليس مجرد خيالً بحتًا، ولكنه يتوافق غاية التوافق مع ما نعرفه عن الدماغ. ولا أقصد بذلك القول إن تجربتنا الجمالية ومستوى فهمنا التشبيهي، هو «مجرد» نتاج لنبضات الخلايا العصبية والموصلات الموجودة في الدماغ وما إلى ذلك، بل هو مستوى إضافي من التفسير لا يلغي فهمنا النفسي والظاهري وإنما يكمله ويثريه.
أستطيع أن أقول إنني طرحت معظم الخطوط العريضة لنظريتي حتى من قبل أن أكون على دراية بأي شيء عن علم الدماغ. ومن المفارقات أن كريستيان ميتز هو الذي وجهني إلى التعمق في علم الدماغ، حيث إنه في تعليق له على مسودتي الأولية من نظريتي، سألني عن دور الهرمونات وما إلى ذلك. فارتأيت أنه عليّ التحقق من هذه الأمور بشكل أوسع، واكتشفت أن بالإمكان إثراء نظريتي إلى حد كبير من خلال وصفها ليس فقط على المستوى النفسي، وإنما على مستوى «الدماغ» أيضًا، إلا أن هذا لا يمنع الاقتصار على وصف نظريتي على المستوى «النفسي» البحت- كما فعلت في مقال بعنوان «العواطف والإدراك وأنماط السرد في الأفلام»، والذي سينشر في كتاب المحررين «كارل بلانتينغا» و«جريجوري سميث» «Passionate Views: Thinking about Film and Emotion Johns Hopkins» لعام 1998.
يظل التحليل النفسي هو الإطار السائد في وصف التأثيرات العاطفية في الأفلام على مدى العقدين الماضيين. وعلى الرغم من أن بعض هذه التفسيرات قد يكون لها «شكل نفسي» سردي مثل: «الابن الذي يريد قتل الأب والزواج من الأم»، فإن أوصاف التجربة الظاهرية للفيلم تسببت في ظهور «الحنين إلى مواقف النزعات النفسانية» لدى العديد من العلماء الذين عجزوا عن ربط الأفكار الرمزية، أو الإخصاء و«المسارات الأوديبية»، بتجاربهم للأفلام مع الأبطال والأهداف والمشاعر العادية. فآمل أن يقتنع أيضًا إريك باركنسون بأن إطار عملي لفهم تجربة الأفلام قادر على تقديم تصورات «نفسية» مرضية للجماليات.
المصدر: euppublishing