سلطان فادن
الأفلام والأعمال السينمائية على قنوات المنصات والبث المباشر، يتم تقييمها ومراجعتها كعمل مستقل، أو مجموعة الأجزاء، أو الحلقات المعلن عن عددها قبل إصدارها.
مجموعة الأعمال الفنية التي صدرت تحمل مسمى «Dune» بمعنى «كثيب»، مبنية على مجموعة قصصية للمؤلف والكاتب الأميركي فرانك هربرت، عام 1965م، من نوعية قصص ملحمية ذات خيال علمي تحدث على كواكب غير معروفة بعد مئات آلاف السنين من العصر الحالي. ومنذ السبعينيات كانت هناك محاولات كبيرة لتجسيدها في السينما مع فنانين وكتاب ومخرجين معروفين، لكن لم تنجح لأسباب عديدة. حتى إنه كانت محاولات للتعاقد مع الفنان العالمي سلفادور دالي لتجسيد دور الإمبراطور، لكن لم تفلح بسبب طلب دالي مبلغ مئة ألف دور عن ساعة العمل الواحدة!
بعد محاولات ومجهودات، كان أول فيلم ظهر عن هذه القصص من إخراج المخرج المبتكر ديفيد لينش 1984م. وهو مخرج معروف عنه رؤيته الفنية الخاصة به. لينش لم يقرأ القصة الأصلية، بل ترجم السيناريو بصريًا وبطريقته «استخدم التخيل السيريالي والباروكي» ووضعها في قالبه الخاص به. الفيلم إجمالًا لم يلقَ النجاح المتوقع، ليس لأنه كان فيلمًا سيئًا، بل أعزو النجاح المحدود إلى سببين رئيسيين:
-المخرج خذلته التقنية وأساليب خدع التصوير المتوفرة حينها.
-انبهار جماهير السينما حينها بسطوة عالم أفلام حرب النجوم «Star award».
لذلك قرر المنتجون بعدها عدم استكمال الأجزاء التالية.
الإصدار الحديث للسلسلة للمخرج ديني فيلنويف للجزء الأول 2021 والجزء المكمل 2024، استفاد كثيرًا من التجربة والتجارب السابقة. فأولًا لم يستكمل عمل الجزء الثاني المكمل حتى تم رصد نجاح الجزء الأول جماهيريًا وتجاريًا. والمخرج فيلنويف مخرج مقتدر وأفلامه مميزة، وترجمته البصرية واضحة وشديد الحذر، والأهم أنه قليل الفلسفة.
الشخصيات وأحداث القصة ممتعة، وذلك يعود للجمال والمساحة الشاسعة للقصة الروائية في الأصل. فالقصة لها عدة محاور درامية أساسية متداخلة. فهي تتكلم عن الصراع على السلطة والانتقام والحب والقوة الاستعمارية والخيانة.
أهم نقطة في المقارنة بين نسخة 1984م وجزأي 2024، هي مساحة السرد. ففي 84 تم اختصار القصة «قصتي 21 و24»في مدة ساعتين، ورغم أن نسخة المخرج لينش 3 ساعات. بينما جاءت نسختا فيلنويف إجمالًا في حوالي 6 ساعات، وهذا ما ينقض عدالة المقارنة.
الجزء الثاني لفيلنويف تميز بالقوة البصرية والتحكم بالمقياس «scale» وترابط الأحداث. لكن أهم ما أضعفه، ضعف إخراج المعركة وما بعد المعركة، وأيضًا كثرة المشاهد المظلمة، وتهميش قوة بعض شخصيات الجزء الأول وشخصية الإمبراطور، وكذلك عدم مناسبة الممثل أوستين باتلر في دور فيد.
المثير في الرواية الأصلية هو أن مجمل فكرة الكاتب هربرت أنه قام بنقل أحداث وقراءات عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونقل أحداثها إلى الكوكب المدعو أركيدس، مع تغيير بعض المسميات «مثل مسمى توابل بدلًا من نفط». وعلى مستوى يلي ذلك، استعان الكاتب بالمفاهيم والمعتقدات لسكان هذه المنطقة ونقلها إلى ذلك الكوكب، ووضح ذلك جليًا في المسميات المذكورة في القصة، مثل: المهدي والخلاص والمسيح وغيره. رغم أن جميع هذه الاستعارات تمت حياكتها في الدراما بطريقة حذرة.
إلا أن المؤلم أن الصورة النمطية لهوليوود لم تتغير بعد. ففي ظاهر الأمر وملخصه، هو تقديم صورة تفوق العرق الأبيض والغربي عمومًا، كمخلصين ومنقذين للشعوب الأقل تقدمًا والغارقين في تخلف معتقداتهم «في نظرهم»، وإن كان بنوايا استعمارية وإمبريالية واضحة.
هذا ما تقوله القصة وعكسته أفلام «ديون»، وليس قراءتي فقط.