بيلا بالاش
ترجمة: محمد عثمان خليفة
قلنا من قبل إن أساس لغة الشكل الجديد هو آلة التصوير السينمائية المتحركة بما لها من وجهة نظر دائمة التغير. إن المسافة بين آلة التصوير والغرض وما يتبع من حجم وعدد الاشياء التي تظهر داخل إطار الصورة، وزاوية التصوير والمنظور، تتغير كلها بلا توقف. وبذا تقسم هذه الحركة الجسم الموجود أمام آلة التصوير إلى صور جزئية يمكن فصلها، أو «لقطات»، بصرف النظر عما إذا كان ذلك الجسم متحركا أو ساكنا. وليست الصور الجزئية التي يمكن فصلها تفاصيل لفيلم كامل. لأن ما تم عمله ليس هو تجزيء الصورة إلى الأجزاء المكونة لها بعد أن تكون الصورة قد تم تصويرها او تخيلها بالفعل. وستكون نتيجة هذا هي التفاصيل: في هذه الحالة يكون علينا أن نعرض كل جماعة وكل فرد في مشهد الجماهير من نفس زاوية التصوير التي نراهم منها في الصورة العامة.
ولا يستطيع أي شخص أو أي شيء أن يتحرك، لأنه لو تم ذلك فلن يصبح تفصيلا لنفس الصورة العامة. إن ما نفعله ليس هو تجزيء «إلى تفاصيل» صورة موجودة بالفعل تشكل صورة عامة، ولكن أن نعرض مشهدا حيا متحركا «أو منظرا طبيعيًا» كتجميع لصور جزئية تندمج في وعينا في صورة مشهد متكامل، على الرغم من أنها ليست أجزاء من فسيفساء «موزايك» موجودة ثابتة لا يمكن أن نجعل منها صورة واحدة شاملة.
ما الذي يجمع بين الصور التفصيلية؟
الإجابة على هذا السؤال هي: التركيب أو التقطيع، والتكوين المتحرك للفيلم، والبناء فى الزمن، وليس في الحيز، الذي سنذكر المزيد عنه فيما بعد. إن ما يهمنا فى هذه اللحظة هو السؤال النفسي الخاص بالسبب في أن المشهد المجزأ إلى صور يمكن فصلها لا تتبعثر أجزاؤه بل يبقى في وعي وحدة متماسكة في كل من الحيز والزمن. كيف نعرف أن الاشياء تحدث في نفس الوقت وفي نفس المكان بالرغم من أن الصور تمر أمام عيوننا في تتابع زمني يوضح مرورًا حقيقيًا للزمن؟
إن هذه الوحدة وهذا التزامن للصور أثناء سيرها في الزمن لا يحدث آليًا. فعلى المتفرج أن يساهم من جانبه بتداعي الأفكار والجمع بين الوعي والمخيلة، وهو ما يجب أن يتعلمه مشاهدو السينما أولًا. هذه هي الثقافة المرئية التي سبق أن تحدثنا عنها في الفصول السابقة.
لكن الصورة التي يمكن فصلها أي «اللقطة» يجب أن يكون ترتيبها وتكوينها صحيحًا. فقد تكون هناك لقطات تسقط من المجموع مما يترتب عليه ألا نشعر بأننا فى نفس المكان ترى نفس المشهد الذي شاهدناه في اللقطات السابقة. هذا أمر متروك للمخرج الذى يمكنه، حسب اختياره، أن يجعل المتفرج يحس بتتابع المشهد وبوحدته فى الزمان والمكان حتى أو لم يكن قد عرض عليه من قبل صورة شاملة للمشهد جميعه لتوجيهه.
ويتم هذا بأن تتضمن كل لقطة حركة أو إيماءة أو شكل أو أي شيء يحيل العين إلى اللقطات السابقة واللاحقة، شيء يمتد إلى اللقطة التالية مثل فرع من شجرة أو أحد الأسوار، مثل كرة تتدحرج من صورة إلى صورة أخرى، أو طائر يطير عابرًا أو دخان سيجار يتصاعد منثنيًا في كلا اللقطتين، أو نظرة أو إيماءة تجد الإجابة عليها فى اللقطة التالية. ولكن يجب على المخرج أن يحذر تغيير زاوية التصوير مع تغيير اتجاه الحركة – لأنه إذا فعل هذا فإن التغيير الذي يطرأ على الصورة يكون من الضخامة إلى الحد الذي يكسر وحدتها.
لقد بسط الفيلم الناطق هذه المهمة الخاصة بالمحافظة على الوحدة، فمن الممكن سماع الصوت طوال كل الحيز في كل لقطة. فلو كان المشهد يدور، مثلا، في أحد النوادي الليلية، وتسمع نفس الموسيقى فسنعرف أننا في نفس الملهى الليلي حتى إذا كنا لا نرى فى اللقطة نفسها إلا يدا تمسك بزهرة أو بشيء من هذا القبيل. لكننا إذا سمعنا فجأة أصواتا مختلفة فى نفس اللقطة التي تصور اليد فسنستخلص، حتى لو كنا لا نرى ذلك، أن اليد الممسكة بالزهرة هي الآن في مكان مختلف تماما. وعلى سبيل المثال، إذا تابعنا صورة اليد الممسكة بالزهرة، وبدلًا من أن نسمع موسيقى راقصة سمعنا تغريد الطيور، فلن نفاجأ عندما تتسع الصورة لتصبح لقطة بعيدة، لنرى حديقة وصاحب اليد يقطف الزهور. مثل هذا النوع من الانتقال يتيح الفرصة للحصول على تأثيرات طيبة.