منيرة الحمادي
فيلم «perfect days»، الذي رشح لجائزة أفضل فيلم روائي عالمي في حفل جوائز الأوسكار لهذا العام، هو أول فيلم لم يخرجه مخرج ياباني وهو إنتاج ياباني وألماني مشترك. يرتكز فيلم Perfect Days على الممثل الرائع كوجي ياكوشو، الذي يلعب دور هيراياما غير المتحدث إلى حد كبير، وهو يشبه فيلم «باترسون» للمخرج جيم جارموش. كلاهما سيناريو منظم حول الروتين اليومي الاعتيادي للشخصية الرئيسية. يستيقظ هيراياما كل صباح ويبدأ يومه بلطف، شاكرًا لهبة الحياة. قد تكون حياة هيراياما غير كاملة؛ زميله في العمل متأخر دائمًا، والمال شحيح، لكن أشرطة الكاسيت ونباتات الأصص التي يجمعها لديه هي راحته ومتعته المتواضعة. بغض النظر عن هذه التفاصيل فـ«أيام مثالية» يرتكز بشكل أساسي فعلًا على أداء ياكوشو الممتاز. إنه أداء متطلب، مبني بالكامل تقريبًا على التعبيرات الجسدية والعروض الهادئة للمشاعر. ونظرًا لوجود مثل هذا الحد الأدنى من الحوار، فإن الأمر يتطلب مستوى معينًا من الهدوء لجعل كل سطر يبدو مقنعًا ومضمونًا وضروريًا للقصة. طوال الفيلم، ينغمس ياكوشو في شخصيته بسهولة ملحوظة، مما يساعد على تهدئة اللكمات العاطفية للفيلم حتى عندما تفشل القصة في الوصول!
«أيام مثالية» هي الدراما المبسطة التي تدور أحداثها في طوكيو للمخرج Wim Wender، وهي عبارة عن اجترار جميل لمتع الحياة الصغيرة. تحكي عن هيراياما، رجل في منتصف العمر، يعمل منظفًا للمراحيض في طوكيو. حياته عادية، مجرد سلسلة من الإجراءات المتكررة.
الأيام المثالية تذكرنا بالمتع البسيطة في الحياة. يعتبر الفيلم واحة في عالم الرعب الروتيني؛ يبيِّن لنا بلطف الحياة الصامتة واللطيفة لهيراياما. إن الملذات البسيطة في الحياة، والموسيقى، والبستنة، والتصوير الفوتوغرافي، والقراءة، وحتى تنظيف المراحيض؛ هي أشياء تأملية بالنسبة له.
هكذا كانت تبدو الساعة الأولى من الفيلم الذي يمتد إلى ساعتين؛ يبدأ هيرامايا يومه مبكرًا، ويحصل على القهوة من آلة البيع، ويضع شريط موسيقى الروك الكلاسيكي ويقود شاحنته إلى دورات المياه العامة المنتشرة في طوكيو، حيث يبدأ العمل. يقوم بتنظيف الحوض وترتيبه بدقة؛ إلى حد يستخدم فيه مرآة صغيرة لفحص الجانب السفلي من المرحاض للتأكد من تألقه في أماكن لن يراها أحد على الإطلاق.
لاحقًا تهدد الأصداء اللطيفة الناتجة عن لقاءات الصدفة باختلال توازن حياة هيراياما. يلتقي المرأة التي يتوق إليها زميله في العمل، ويلعب لعبة «تيك تاك تو» مع شخص غريب، وتظهر ابنة أخته دون سابق إنذار. ستجد الحياة دائمًا طريقة لمفاجأتك، حتى لو كنت تبحث عن الراحة المذهلة التي يوفرها لك الروتين المألوف.
لكن في اللحظة التي تصدع فيها الروتين بفعل بعض الظروف وتنامي مشاعر مختلفة، أخذ هيرامايا يهيم على وجهه في طوكيو مع زجاجات بيرة وعلبة سجائر!
هل أيام هيراياما كانت أيامًا «مثالية» حقًا؟ يشير الفيلم في الغالب إلى أن الروتين والامتنان للمتع البسيطة يشكلان حياة مُرضية، من المؤكد أن أداء كوجي ياكوشو الرائع يروج لهذه الفكرة. لكنني لم أستطع منع نفسي من ترك الفيلم وأنا أشعر بأن الأمور كانت متقنة، لكن كانت مبتذلة بعض الشيء؛ في المشهد الذي تقترب منه أخته بحنو وتسأله: هل تقوم بتنظيف المراحيض فعلًا؟ أجاب هيرامايا: نعم. بسلاسة وبدون تردد وبوجه هادئ غير مضطرب وعندما تبتعد يشرع في البكاء. هل يبكي هيرامايا بسبب العمل الذي كان مخلصًا له بشدة أو ارتبكت مشاعره نتيجة التطفل من ابنة أخته على حياته فجأة؟ لم يبدُ لي أنه راضٍ أبدًا عن حياته وكل هذه المتع الصغيرة التي يرعاها، إنما كانت خططًا للهروب.. الروتين كما يبدو في حياة هيرامايا صناعة هشة إلى درجة أن يتمزق القلب من لقاء عائلي خاطف!