نور سعد
عندما أتحدث عن فيلم «نورة»، فأنا أتحدث عن تحفة فنية من جميع النواحي، سواءً كان ذلك في المكان، أو الزمان، أو حتى الأشخاص. الفيلم الروائي الطويل «نورة»، هو من تأليف وإخراج توفيق الزايدي، وقد تم العرض العالمي الأولي له في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
ويضم نخبة من الممثلين، ومنهم الفنان القدير عبدالله السدحان، صاحب الظهور المميز في دور «أبو سالم»، شيخ القبيلة الآمر الناهي. ويقوم الفنان يعقوب الفرحان بدور «نادر»، المدرس الذي ينتقل من المدينة إلى القرية لتعليم القراءة والكتابة للطلاب. كما تقدم ماريا بحراوي، الوجه الجديد على الساحة، دور «نورة»، وهي الشخصية التي لا تتكيف مع مجتمعها الذي لا يشبهها.
يتحدث الفيلم عن حقبة التسعينيات، وتحديدًا عام «1996»، ولا يمكننا إنكار أن الفن في هذه الفترة كان محظورًا وغير محبذ. فما بالكم أن يأتي المدرس نادر من المدينة إلى القرية ليُعلم الكتابة والقراءة، ولكننا نكتشف مع تسلسل الأحداث أنه فنان تشكيلي يعشق الرسم. وبدورها نورة التي تجدها من أول مشهد لا تشبه مجتمعها، أنها ليست من الشخصيات التي تخضع للمجتمع، بعكس ذلك نجدها متمردة ومُختلفة، ونلاحظ أن صاحب البقالة يُهرب لها سرًا مجلات بها رسومات فنية وصور. ببساطة نورة تتمنى أن تزور المدينة، أو بالأصح أن تهرب من القرية بأي طريقة.
مع تقدم الأحداث، يتشكل رابط بين نادر ونورة، وهو الفن، ولعل الفن ينجيهم.. بعدما تكتشف نورة أن نادرًا فنان تشكلي تُصر وتُلح على أن يرسمها برغم رفضه لها، إلا أنه في نهاية المطاف رسمها. والسؤال هو: هل يمكننا بالفن أن نغير المجتمع، أم أن المجتمع سيغيرنا ويجعلنا نترك الفن من أجل أن نحيا؟ وهل سينجو كل من نورة ونادر من هذه القرية، أم أنه لا مفر من الخلاص؟ والنهاية غير متوقعة بين الأحلام والأوهام، هل فعلاً نحن كبشر نتمسك بالأحلام لنهرب من مرارة الواقع، أم أن الأحلام في نهاية المطاف ستصبح أسوأ شيء في هذه الحياة؟ برغم من أن جسد نورة ما زال محاصرًا في القرية، فإن روحها سافرت بالمستقبل لمعرض اللوح وللفن.
بين الزمن الحالي والزمن الماضي نجد أن الحياة تغيرت بشكل جذري، وأن الفن الذي كان محظورًا في السابق أصبح الآن هو الغذاء، أو إن صح التعبير الداء والدواء الذي نشفى به.
ومما لفت نظري هي المشاهد التصويرية في مدينة العُلا، مما أثر بشكل كبير على جمالية المشاهد لكون المكان بحد ذاته له شخصية وهوية، أيضًا انتقاء الموسيقى الشرقية مع الغربية واللاتينية، أضافت لمسة شاعرية للعمل.
فيلم «نورة» جسد لي أن عدم القدرة على تبادل الأفكار مع الآخرين هي أسوأ أنواع العزلة، ومن الممكن أن يكون الفن لدى البعض هو الطريق الوحيد لكسر العزلة ومحاولة كسر تبادل الأفكار. جعل توفيق الزايدي الفيلم «جزءًا مبتورًا يبقى في الذاكرة».