محمود غريب
يعكس الفن ثقافة المجتمع ووعيه ومدى إدراكه بطبيعة الكون ومتغيراته وثقافاته، والتحولات المستمرة في البنية الفكرية والتفكير الجمعي والتقنيات الحديثة، وهو بذلك يجعل الكون قرية صغيرة منفتحة على بعضها البعض.
من دون الخوض في نقاش غير مجدٍ حول كون الفن واعظًا، أو يحمل رسالة اجتماعية، أو ينحصر في إطاره الترفيه، يمكننا أن نجعل الفنون بعمومها، والسينما على وجه التحديد، مفهومًا شاملًا لكل ما سبق؛ فهي أداة ترفيه وتنمية الذوق الفني، بالإضافة إلى كونها أداة تثقيفية ومعرفية ووسيلة لخلق وعي مجتمعي تجاه قضايا شائكة، ونقل صور المجتمعات وثقافاتهم وعاداتهم، وهي انعكاس لحالة التطور المستمر الذي يصل إليه الإنسان.
الفن أكثر عمقًا من تسطيح رسالته أو حصرها في إطار ضيق، باعتباره يترك أثرًا عميقًا في تكوين عادات الإنسان، وتشكيل قناعته، والتأثير في سلوكه وتوجيه ذوقه، واستعراض مجمل التجارب الاجتماعية التي يكون بمقدوره أن ينتقي منها ما يتماشى مع قناعاته وذوقه.
ثمة رسالة أخرى يؤديها الفن في عمومه، والسينما على وجه الخصوص، تلك المتمثلة في محاكاة تفاعل الإنسان مع آثار الجمال في الكون، فضلًا عن نقل معاناته وتجاربه الإنسانية وتفاعله مع بقية مكونات الوجود.
كم مرة استطاع فيلم واحد أن يُغيِّر توجهات الرأي العام تجاه قضية معينة؟ وكم مرة تركت الأفلام أثرًا إيجابيًا في مجتمعات محلية على صعيد تنمية الذوق والمهارات وتقليد العادات؟ وكم مرة سلطت السينما الضوء على قضايا هامشية وظروف أقليات مجتمعية؟!
كل ما سبق، يعطي للفن قيمة مضافة على كافة المستويات باعتباره أداة تأثير فعالة تخلق حالة مجتمعية، سواء على صعيد النخبة، أو لدى القواعد الشعبية؛ وهو ما يفرض على صنّاع السينما مهام جلية يحتاج إبداعًا في التناول، وتنقية للأفكار، ومواكبة تطلعات الجمهور واتجاهاته، وهذا هو فن إيصال الرسالة.
أغلبنا يستطيع أن يُنظِّر ويقدم نقدًا فنيًا وثقافيًا وتقنيًا للمنتجات الفنية والسينمائية تحديدًا، لكن المطلوب هو كيف يتم إيصال رسالة الفن بطرق إبداعية غير تقليدية تجسد معنى مفهوم الفن وتلبي تطلعاته.
المقصود من هذا الكلام أن وضع الفن في إطار واحد، سواء نفعي، أو مادي، أو ذوقي، أو تهذيبي، أو جمالي؛ هو انتقاص لبقية المكونات التي تتفاوت درجة تأثيرها حسب مستوى الرسالة المراد إيصالها في العمل الواحد.
وإذا كان الفن بهذه القيمة التي أسلفنا الحديث عنها، فإن ناقل الرسالة الفنية، أعني الممثل، مطالب بأن يكون على قدر الحدث والمسؤولية، ففي كثير من الأحيان يكون قدوة لجمهور المتلقين، على كافة المستويات الأخلاقية والذوقية والثقافية، فالفنان يجب أن يكون مثقفًا قبل أن يكون ممثلًا قديرًا، وهذا هو فن الرسالة.