محمود غريب
لا يخفى على أحد مدى التأثير الذي تشكله السينما والأفلام على الوعي الجمعي للمجتمعات، باعتبارها أداة فعالة لخلق حالة تفاعل مع قضية بعينها، أو إرسال رسائل للجمهور، بفعل قوة الصورة والصوت ولغة الجسد وغيرها من عناصر الفيلم، للدرجة التي تجعل شبابًا يُقلِّدون فنانين في لغتهم وحركاتهم وجملهم الشهيرة.
في الوقت نفسه لا يغفل القائمون على صناعة السينما اتجاهات الجمهور والذوق العام والتفضيلات المختلفة عند التفكير في طرح منتج معين بالسوق، لضمان انتشاره وتحقيق نجاح تجاري.
هنا يبقى السؤال: هل الجمهور هو من يقود السينما، أم السينما هي التي توجه الجمهور؟ بمعنى آخر من يملك القوة الأكبر للتأثير في الآخر: السينما أم الجمهور؟
في الحقيقة، الأمور متشابكة للدرجة التي لا تدع مجالًا لوضع حدود فاصلة بين الاتجاهين، فالجمهور متأثر كالعادة بقوة السينما، والجمهور في الوقت نفسه يرغم الصناع على احترام اتجاهاته، وبالتالي فإن العلاقة بينهما تكاملية في المقام الأول.
على هذا النسق لا أميل دائمًا لمصطلح «سينما الجمهور»؛ فالمنَتج في الأصل حق الجمهور، سواء كان قوة التأثير من الطرف الصانع، أو المتلقي.
هذا لا يعني في بعض الأحيان غلبة طرف على الآخر، ففي حالات معينة يكون تأثير الجمهور غالبًا على شكل المنتج الفني وعندها يكون صانع المحتوى ضامنًا بنسبة كبيرة نجاحًا تجاريًا لمنتجه، وفي حالات أخرى يكون اختيار القائمين على الفيلم هو المحدد لاتجاهات العمل ورسائله، وفي هذه الحالة يكون الرهان على النجاح التجاري محكومًا بمدى التفاعل والقبول على شباك التذاكر، ووقتها يمكن أن تتلاقى الرغبتان ويحقق الفيلم نجاحًا تجاريًا، ويمكن أيضًا أن يخفق في الانتشار.
لكن السؤال الجوهري: هل كل الأفلام تضع في اعتبارها هذه النقطة تحديدًا؟ هل كل الأفلام تؤطّر أهدافها وفق مدى النجاح التجاري؟ بالطبع لا، فثمة أفلام تضع عامل الربحية في المرتبة الثانية من الأهداف العامة، ويكفيها خلق حالة تأثير محدودة على المتلقي، خاصة تلك التي تضع الإبداع هدفًا رئيسًا لها بغض النظر عن تفاصيل القصة ومدى قربها من تفضيلات الجمهور؛ فالرهان وقتها يكون على قوة الأداء التمثيلي ومكونات العمل الأخرى.
سنكون متحمسين بشكل أكبر إذا كان العمل الفني يجمع بين المكونين؛ مكون الإبداع ومكون اتجاهات الجمهور، وفي تلك الحالة يمكن أن يكون المنتج السينمائي مثاليًا بالقدر الذي يجعله مؤثرًا على كافة المستويات الرسائلية والإبداعية، وينقل ما اصطلح على تسميته بـ«سينما الجماهير» إلى مرتبة أخرى يمكن أن نسميها «سينما الإمتاع»، مع الإشارة إلى أن التسمية الأولى توحي بأن العمل يفتقد قوة المكون الإبداعي على حساب إرضاء الذوق العام.