د. أشرف عبدالرحمن
فن الموسيقى هو فن يحمل طابعًا خاصًا بين بقية الفنون الأخرى، فهو من الفنون التجريدية نظرًا لطبيعته السمعية وغير المرئية، وهو الفن الذي يستطيع أن يُعبِر عن كل أنواع الانفعالات بشكل عميق. كما تعتبر الموسيقى هي الأسرع انتشارًا والأكثر تأثيرًا في النفس البشرية بين مختلف الفنون، فسرعان ما تنفذ إلى الأعماق النهائية الخفية في العاطفة، سواء التي يتم التعبير عنها بالألفاظ والكلمات، أو بالفعل والحركة. ولهذا، فإن التعبير الموسيقى يبلغ أوجه حينما يخلو من الألفاظ والمناظر والأفعال، وهو ما يتحقق في السيمفونيات على الوجه الأكمل ليقول في ذلك الفيلسوف الشهير شوبنهاور إن الموسيقى «أكثر اختراقًا لذواتنا من كل الفنون الأخرى؛ لأن كل تلك الفنون تخاطب الظلال فقط، بينما تخاطب الموسيقى الجوهر».
تعد الموسيقى هي أقدم الفنون على وجه الأرض، حيث ارتبطت بالترانيم الدينية داخل المعابد منذ القِدم. وارتبطت الموسيقى أيضًا على مر العصور ببقية الفنون الأخرى، مثل: الفن التشكيلي والفنون الحركية كالرقص والباليه والمسرح، إلى أن أتت السينما التي تعد من أحدث الفنون على الإطلاق، ليكون ارتباط الموسيقى بالفن السينمائي ارتباطاً وثيقاً منذ أن ظهرت السينما في بداياتها ونشأتها الأولى، وذلك قبل أن تعرف السينما الحوار الصوتي. وتلك المرحلة تعرف بفترات السينما الصامتة، حيث لم يكن قد تم التوصل إلى تقنية دمج التسجيل الصوتي مع الصورة، وتلك الفترة استمرت أكثر من 30 عامًا، منذ عام 1895 مع أول فيلم للأخوين لوميير، وحتى مع ظهور أول فيلم ناطق عام 1927 وهو فيلم «مغني الجاز»، وخلال تلك الفترة التي كانت السينما مجرد لقطات ومشاهد صامتة كانت لغة الحوار فيها هي الموسيقى المكملة والمعبرة عن تلك المشاهد والانفعالات، وإن كان هناك بعض الكتابات للحوار على الشاشة أو بعض المفسرين والمترجمين للمشاهد لما يدور بالفيلم، ولكن لم يكن هناك استغناء عن الموسيقى. وقد مرت تلك العلاقة السينيميوزيكا، أي ما بين السينما والموسيقى بعدة مراحل؛ المرحلة الأولى وبداية عرض الفيلم، كانت أجهزة التشغيل في قاعة السينما في بدايتها البدائية تصدر صوتًا خفيفًا نتيجة حركة ماكينات التشغيل، فكانت الموسيقى هي العامل الأساسي للتغطية على هذا الصوت الذي قد يُفقد المشاهدين التفاعل مع الفيلم. فكان صوت الموسيقى هو الوسيلة الوحيدة لذلك، كما أن صوت الموسيقى بطبيعة الحالة يعطي حالة من الراحة والإحساس بعدم الملل وكانت تلك الفترة قصيرة جدًا. كما كانت الموسيقى في تلك الفترات تتم من خلال العزف الحي أثناء عرض مشاهد الفيلم داخل القاعة، إلى أن جاءت مراحل أخرى مثل انتقاء بعض المقطوعات والموسيقى المسجلة وتشغيلها أثناء الفيلم لتتناسب مع موضوعات ومشاهد الفيلم مثل المطاردات أو الكوميديا.. وغيرها؛ لتأتي المرحلة الأهم وهي أن يتم عمل موسيقى تصويرية مؤلفة بالكامل خاصة للفيلم، لتأتي أول مؤلفة موسيقية تكتب لفيلم ناطق في عام 1933 من خلال فيلم «كينج كونج» للمؤلف الموسيقى من أصل نمساوي «ماكس شتاينر»، الذي ترشح لجائزة الأوسكار 24 مرة، وحصل على الجائزة ثلاث مرات. والجدير بالذكر أنه تم اقتباس هذا الفيلم بعد ذلك ليتم تقديمه بنفس الاسم كفيلم مغامرات ملحمي، تم صدوره في عام 2005.