محمد القاسمي
افتتح الفيلم مَشاهده بآية كريمة من سورة البقرة: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ».
نرى بقرةً بيضاء تقف في وسط ساحة سجن، ومجموعة رجال ونساء في محاذاة الجدار، وكأنّما تلك البقرة تتساءل عن سبب وجودها في هذا المكان الغريب! من هم هؤلاء الأشخاص المجتمعين حولها؟ وماذا يريدون منها؟!
تلك الآية الكريمة هي قلب الفيلم الإيراني «قصيدة بقرة بيضاء” ومحرّك القصة التي تدين قانون الإعدام الجائر في إيران. «مينا» هي شابّة تعيش وحيدةً مع ابنتها الصغيرة الصمّاء بعد أن تم إصدار حكم القضاء بإعدام زوجها بسبب جريمة قتل.
إنها تعيش حياة بائسة وتعيسة إثر ذلك، خصوصًا أنها مصرّة أن زوجها كان بريئًا من التهمة، وبالفعل يتم استدعاؤها لاحقًا من قبل القضاء الإيراني ليخبروها أن زوجها بريء، وأن القاتل الحقيقي اعترف بالجريمة.
من يعوّض «مينا» عن هذا الخطأ الفادح؟ هل التعويض المالي سيشفي غليلها؟ هل الاعتذار الرسمي من القضاء سيريح قلبها؟ تحاول «مينا» إرجاع حقها وحق زوجها الراحل بتقديم شكوى لدى القضاء ضد القضاء، فكيف يمكنها تحقيق العدالة؟ يأتي إليها رجلٌ غامض ذات يوم ويحاول مساعدتها، ومن هنا تتفاقم الأمور، ويحدث ما لم يكن بالحسبان.
الفيلم من إخراج «بهتاش صناعي ها” وزوجته “مريم مقدم”، وقد قاما أيضًا بكتابة النص السينمائي معًا بشكل مُحكَم، وبالإضافة إلى ذلك أدّت «مريم مقدم» دور البطلة «مينا» في الفيلم.
الفيلم مؤلم ومؤثر، ويدين الظلم والاضطهاد الذي يعاني منه المجتمع الإيراني بشكل صارخ من خلال سياق أحداثه، ونرى البيروقراطية الذكورية في المجتمع، وكفاح النساء المهمّشات وصعوبات العيش التي يواجهنها، خصوصًا الأرامل والمطلّقات.
بالنسبة إلى فيلم إيراني، هناك جرأة في الطرح وتناول المواضيع، ولذلك لم أستغرب أن إيران رفضت عرض الفيلم في سينماتها، والفيلم وجد طريقه في الانتشار من خلال المهرجانات السينمائية الدولية، وأهمّها مهرجان برلين الدولي، محقّقًا أصداءً طيّبة وإشادات من النقّاد والجمهور، وقد أعجبني أداء الفنانة «مريم مقدم» وبقية الممثلين، وأبرزهم: علي رضا ثاني فر، وبوريا رحيمي سام.
أنا لا أقول إن الفيلم رائع أو خالد في الذاكرة مثل أفلام الكاتب والمخرج المبدع «أصغر فرهادي»، ولكنه يبقى فيلمًا دراميًّا متميّزًا، ويناقش قضايا وأمورًا حسّاسة في المجتمع الإيراني، ويستحق المشاهدة بكل تأكيد.