نجلاء محمد
قد يكون اعتقادك الأول قبل أن تشاهد الفيلم السعودي «إلى ابني»، الذي قام ببطولته النجم التونسي ظافر العابدين وكتبه وأخرجه أيضًا، أن اسم النجم قد يكون هو الحصان الرابح والضمان الأكثر منطقية لفكرة الاستمتاع بالعمل، ولكنك بالتأكيد ستتراجع كثيرًا عن هذا الرأي بعد دقائق؛ لأن حجم المواهب السعودية وإتقان أداء الأدوار والتمثيل بطبيعية دون مجهود أو تكلف، كانوا العناصر الأكثر بريقًا طوال مشاهدة العمل الذي يقترب من ساعتين.
فيلم «إلى ابني» تدور معظم أحداثه في مدينة أبها الجميلة، وتعمد ظافر العابدين أن تكون بوصلته الأساسية هي تلك المدينة الجميلة التي صرح أنه انبهر بعد زيارتها وقرر منذ 4 أعوام كتابة عمل عنها؛ ولأن النوايا الحسنة لا تدخل الجنة لم تكن نوايا ظافر وحدها كافية لإخراج وتأليف عمل يتناسب مع إمكانيات المكان وتفاصيله.
ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل كان هناك أخطاء أثارت البعض أبرزها لهجة ظافر البطل الأساسي، الذي كان يتحدث مرة بالسعودية ومرات بالمصرية أو التونسية.
لم يكن التغاضي عن الخطأ في اللهجة أمرًا ممكنًا، خاصة أن أبها منطقة لها هوية واضحة في لهجتها، ولا يمكن حتى الحديث بلغة بيضاء حتى تسير الأمور، وربما هذا أكثر ما أفسد التناغم مع الفيلم، خاصة من أهل أبها.
ودارت الأحداث عن فيصل الشاب السعودي الذي ينزح من بلده إلى بريطانيا، تاركًا والده وشقيقتيه وأخاه دون عون أو سند.
اعتبر الأب هجرة ابنه أنانية، وهروبًا من المسؤولية، وتخليًا عن الجذور؛ لذلك عندما قرر فيصل الذي قتلت زوجته وهي حامل في شوارع لندن أن يعود لأهله، كان رد فعل الأب قاسيًا.
لم تكشف الأحداث عن أسباب العودة الحقيقية لفيصل مصطحبًا ابنه الوحيد، ويتم اكتشاف إصابته بالسرطان، وأنه سيغادر الحياة بعد أشهر قليلة؛ لذلك أراد العودة لعائلته، تاركًا ابنه ليكون الأمل والعوض عنه لعائلته بعد سنوات الفراق التي قضاها بحثًا عن أحلام انتهت بكابوس.
كان أداء الممثلين السعوديين شديد الإتقان، وتفوق الفنان إبراهيم الحساوي في دور الأب بهدوء واحترافية دون ضجيج.
وأجادت سمر شيشة في دور «نورة» الأخت الحنون التي تربط العائلة وتضحي بنفسها من أجل الجميع.
أمّا أيدا القصي، فنجحت في تجسيد المعاناة مع تقاليد قديمة وصارمة، ومحاولة الخروج نحو عالم أكثر تفتحًا ودعمًا للمرأة، فتقود سيارة وتخلع نقابها، وتمارس عملها، ومع ذلك لا تتمرد على تسلط أبيها في حياتها الشخصية ورفضه زواجها من ابن عمها الذي تحبه منذ طفولتها.
«إلى ابني» تجربة قوية ومهمة، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع بعض تفاصيلها، لكنها نجحت في تقديم أكثر من رسالة، أهمها أن الأسرة والجذور والهوية أهم ما يجب أن يحارب من أجله الإنسان.