سوليوود «خاص»
حقق الفيلم السوداني «وادعًا جوليا»، نجاحًا جماهيريًا عالميًا وعربيًا مُنذ طرحه بدور العرض، وحصد إشادات نقدية وإيرادات مرتفعة في شباك التذاكر العربي. فمع اليوم الأول لانطلاقه في دور العرض الخليجية في 7 ديسمبر الجاري، رفع الفيلم لافتة «كامل العدد». وفي أسبوع عرض الافتتاحي بمصر أعلنت العديد من السينمات عن إضافة مواعيد حفلات جديدة. كما حصد جوائز عديدة من مهرجانات سينمائية بارزة، وينتمي العمل لتيار سينما المؤلف؛ فهو من إخراج وتأليف محمد كردافاني.
اختير الفيلم السوداني من قبل اللجنة الوطنية السودانية لتمثيل بلاده رسميًا في جوائز الأوسكار لفئة أفضل فيلم دولي لعام 2024. ومثل السينما السودانية في مهرجان كان السينمائي، الذي استضاف عرضه العالمي الأول وفاز بجائزة الحرية. ويقدم الفيلم صورًا دقيقة واقعية للعالم تكشف تفسيرات الوضع السوداني، وكيف ساهم غياب التفاهم المتبادل وفائض من العنصرية المؤسسية في إعاقة عمليات إنهاء الأزمات بالسودان من خلال قصة درامية مُذهلة تعاطف معها الجمهور العالمي.
حفلات إضافية وإيرادات عالية
مع بداية عرض الفيلم بمصر، مُنذ أكتوبر الماضي، حقق نجاحًا جماهيريًا واسعًا، وإيرادات وصلت إلى مليوني جنيه في أول أسبوعي عرض؛ حيث أعلنت العديد من السينمات عن إضافة مواعيد جديدة لرفعها شعار “كامل العدد”. وأجمع أبطال الفيلم على سعادتهم وأهمية افتتاح عروضه في دور السينما المصرية. وحول إيرادات الفيلم الكبيرة في مصر، قال منتج الفيلم المخرج أمجد أبو العلاء، بحسب «إندبندنت عربية»: «لا يمكن إنكار أن الفيلم حقق نجاحًا جماهيرًا ربما لم يكن متوقعًا، فشباك التذاكر المصري ليس أمرًا سهلًا، والإقبال من الجمهور المصري ربما يستأثر بأفلام مصرية أو أجنبية ذات صبغة معينة، ولكن نجاح فيلمنا، في وجهة نظري قد يرجع لعوامل عدة، منها: وجود الجالية السودانية الكبيرة، والارتباط الوثيق بين المصريين والسودانيين، وشعور مصر بمعاناة السودان شكل حافزًا لحضور العمل، وأيضًا مشاركة الفيلم في مهرجان كان وتميزه، بالإضافة إلى عرضه بعيدًا من زحام الموسم السينمائي».
ويلات الحرب وقضايا العنف تسيطر على حبكته
الفيلم يسلط الضوء على الأحداث التاريخية الأخيرة التي شهدت الانقسام بين السودان وجنوب السودان في سياقه ومع منظور إنساني. ومن خلال رصد تجارب واقعية تعبر عن القضايا الشائكة الخاصة بالعنصرية والتمييز والشعور بالذنب والأكاذيب والخداع؛ ولكن أيضًا لم يغفل المؤلف عن كشف دور الحب والصداقة في تجاوز تلك القضايا، وإظهار دور الصراعات والانقسام في تفرقة الناس على المستوى الوطني؛ إذ نجح المخرج في المزج بين الخلفية السياسية والثقافية والحبكة المثيرة والحميمة للغاية. كما قدم صورًا دقيقة واقعية للعالم تكشف تفسيرات الوضع السوداني، وكيف ساهم غياب التفاهم المتبادل وفائض من العنصرية المؤسسية في الأزمات بالسودان.
وتدور الأحداث قبيل انفصال الجنوب، حيث تتسبب منى، وهي سيدة شمالية تعيش مع زوجها أكرم، في مقتل رجل جنوبي. ولكي تخفف شعورها بالذنب تقرر تشغيل زوجته جوليا التي كانت تبحث عنه خادمة في منزلها، وتتحمل نفقات تعليم ولدها؛ لكن صداقة تنشأ بين السيدتين تجعل جوليا تشجع سيدتها منى على العودة إلى الغناء، وهو أمر يغضب الزوج أكرم الذي يحاول إبعاد جوليا عن المنزل.
يشارك في بطولة الفيلم الممثلة المسرحية والمغنية إيمان يوسف، وعارضة الأزياء وملكة جمال السودان السابقة سيران رياك، والممثل نزار جمعة، وقير دويني الذي اختارته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سفيرًا للنوايا الحسنة عن منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.
قضايا شائكة وعوامل شعبية
صرح كردافاني مخرج وكاتب العمل، خلال لقاء له مع موقع «Cineuropa»، أنه استهدف تقديم قصة الصداقة بوصفها نموذجًا للوضع السياسي في السودان، وللمصالحة المحتملة. وسعى لتحقيق توازن ليظهر فيلمه كعمل جماهيري ممتع دون التخلي عن الجماليات الفنية المميزة التي تؤهله للمشاركة في المهرجانات؛ موضحًا: بالرغم من أن حبكة العمل ترصد موضوعًا شائكًا في سياق سياسي، فإنه يحتوي على أحداث مثيرة وعوامل لها شعبية كالموسيقى وجريمة القتل والمشاكل الزوجية، وكلها عوامل ساعدت في جذب الجمهور.
إشادة النقاد
حظي العمل بإشادة النقاد، فبدوره أكد الكاتب والناقد السينمائي طارق الشناوي، أن الفيلم يعد بمثابة حدث هام للسينما العربية ومصر، وأشار خلال تصريحات صحافية له إلى أن «وادعًا جوليا»، من الأفلام العربية التي تعاطف معها وأحبها بشكل كبير، وذلك عندما شاهد العمل للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي؛ ما دفعه لحضور عرضه الافتتاحي بمصر.
ويرى الناقد السينمائي المصري عصام زكريا، أن القيمة الفنية العالية للفيلم لا تكفي وحدها لتفسير نجاحه، ويقول في تصريحات صحافية له: «ساعد المناخ السياسي العام على استقباله بشكل جيد، كما أن انشغال السودانيين في مصر بمصيرهم ساهم في زيادة الإقبال الجماهيري».
وفي ذات السياق، أبدى المخرج المصري أمير رمسيس، عن سعادته لعرض الفيلم بمصر وتمنى تكرار تجربة عرض الأعمال السينمائية العربية والسودانية في صالات العرض المصرية، مؤكدًا خلال تصريحات له على هامش الحفل الافتتاحي لعرض الفيلم أنه كان متحمسًا للفيلم مُنذ قراءته للسيناريو الخاص به قبل عدة أعوام.
صائد الجوائز
الفيلم يعد صائدًا للجوائز العالمية والسينمائية البارزة؛ إذ نال أكثر من 15 جائزة دولية، كان من بينها اختياره في مسابقة «نظرة ما» ضمن فعاليات النسخة 76 من مهرجان كان السينمائي الدولي، كما فاز وهو في مرحلة التطوير بجائزة أفضل مشروع في مرحلة التطوير بقيمة 15 ألف دولار أميركي، وشهادة منصة الجونة السينمائية، وجائزة «نيو سينشري»، وجائزة ضمان توزيع من «ماد سوليوشنز» و«إرجو ميديا فينتشرز» بقيمة 30 ألف دولار أميركي، وجائزة «منتور شيب» المقدمة من «IEFTA».
ونال الفيلم أيضًا جائزة الجمهور في مهرجان موسترا السينما العربية والمتوسطية في قطالونيا بإسبانيا، وجائزة أفضل فيلم التي نالها في النسخة الثالثة والعشرين من مهرجان بلفاست السينمائي في أيرلندا الشمالية؛ بجانب حصده جائزتين بمهرجان «war on screen» في مدينة شالون بمقاطعة شامبين الفرنسية، هما: جائزة الجمهور وجائزة الصحافة؛ إضافة إلى جائزة روجر إيبرت في مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي. وتلقى الفيلم دعمًا من مهرجان البحر الأحمر ومؤسسة آفاق.