محمد عبدالله الأنصاري
هل يجب على صانعي الأفلام إعطاء الأولوية لخياراتهم الفنية أم الخضوع للجمهور؟
تشكلت سياسات الجهات السينمائية الآن تحت سقف هذا التساؤل.. بينما يتصارع المخرجون مع التوازن بين التعبير عن الذات والاستقبال العام، يظل التوتر بين النزاهة الفنية وكسب الشعبية الجماهيرية محورًا للخطاب السينمائي. الاختيارات الفنية هي جوهر رؤية المخرج، وحركة الفرشاة التي ترسم الفيلم. وبينما لا أحد ينكر حقيقة أن أسلوب السرد والعناصر البصرية، هي الأساس الذي يميز مخرجًا عن آخر، وبصمة المؤلف التي تحول القصة من كلمات على صفحات إلى تجربة بصرية عاطفية، وبينما تتصاعد أصداء آراء اختيارات المخرج في قاعات السينما، يظهر السؤال: ما هو مقدار الوزن الذي يجب إعطاؤه للفنان للتعبير عن نفسه؟
في زمن التعليقات الفورية والنقرات السلبية الآن، أصبحت شعبية المخرج لدى الجمهور قوة لا يمكن إنكارها. وأرقام شبابيك التذاكر وتقييمات المشاهدين هي المقياس الذي يتم من خلاله قياس النجاح في كثير من الأحيان، مما يدفع صناع الأفلام إلى السير على حبل مشدود بين «الابتكار» و«قابلية التسويق».. وكحال وسائل التواصل الاجتماعي أصبح امتياز توقعات الجمهور محورًا لا يمكن أن يُبنى السرد القصصي بدونه، حيث تسعى الاستوديوهات إلى تحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة، لكن كذلك يبقى التساؤل: هل قيادة الجمهور تضر بجوهر التعبير الفني؟
يمكننا أن نجد أمثلة قد تبرر قيادة الجمهور، لقد نجح مخرجون مثل كريستوفر نولان وكوينتين تارانتينو في الحصول على نظرة متميزة من خلال الالتزام الثابت بأساليبهم الفنية. ومن ناحية أخرى، شهدت الصناعة حالات قام المخرجون فيها، تحت ضغط النجاح التجاري، بتقنين خياراتهم الإبداعية لتلبية متطلبات الجمهور، وفقدانهم للشغف ومكانتهم كرواد في الأعمال السينمائية.. يتطلب التنقل بين مسارات الطرق السينمائية هذه إلى وقوف الجمهور وإعطاء صانعي الأفلام حقهم الإبداعي كفنانين، لكي تكون هذه العلاقة تكافلية.
ختامًا، فإن الجدل بين الخيارات الفنية وكسب صخب الجمهور، ليس أمرًا يُبنى عليه الفيلم، بل هي قضية، يُحكم فيها بالتسوية أو التفاوض. ويكمن التحدي في إيجاد توازن متناغم يحفظ صوت المخرج ويدخل الجمهور في حوار هادف. ولعل البراعة الفنية الحقيقية تكمن في تحول التجربة السينمائية إلى رحلة مشتركة بين المبدع والمتفرج.
يبقى السؤال: في عالمنا السينمائي الكبير، هل ينبغي للمخرج أن يكون راويًا بارعًا يأسر الجمهور أم فنانًا شجاعًا؟ يبدو أن الإجابة بين يدي المخرج واختياره لبناء عمل سينمائي نقي، يتلاقى أصداء جماهيرية لتخلق سيمفونية تتردد أصداؤها عبر السنين.