رشا كمال
منذ صدور الفيلم السعودي «ناقة» منذ يومين على منصة نتفليكس وتضاربت حوله الآراء؛ لذا قررت مشاهدة الفيلم دون قراءة أي منها، وفي جعبتي أنه من إنتاج شركة تلفاز 11 التي تميزت بتنوع إنتاجها الفني لأنماط فيلمية مختلفة، وأن الفيلم هو التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج مشعل الجاسر.
تدور حكاية الفيلم حول سارة «أضواء بدر»، فتاة شابة تخرج خلسة برفقة صديقها لحفل في مخيم صديقه أبي فهد في الصحراء، وفي الطريق تنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتتأزم رحلة عودتها خوفًا من أن يكتشف والدها الأمر.
افتتاحية الفيلم من نوعية Hard Opening التي تعلو فيها وتيرة الترقب والتشويق، من استخدام حركات كاميرا ملفتة، وموسيقى تشويقية، ارتفعت حدتها بذروة عنيفة، ويظل هذا المشهد محل تساؤل عن موقعه في الحدث حتى تقريباً منتصف الأحداث.
بالنسبة إلى القصة التي كتبها المخرج مشعل الجاسر قد أغفلت تأسيس الأحداث، مثل تأسيس العلاقة بين البنت وأبيها وجذور الخوف، وكذلك المفاضلة بين الابن والابنة في العائلة، واعتمد على ما هو مسلم به في العلاقات الأسرية داخل المجتمعات الأبوية. فضلًا عن ظهور شخصيات جديدة تدخل الحدث، وتخرج منه، وتعلق على وجود شخصيات أخرى بلا تأسيس طوال الأحداث.
كانت رحلة سارة كابوسية، ساهم في تعقيدها تناولها للمخدر في بدايتها مثل شخصية بيل هارفورد في فيلم ستانلي كوبريك، عيون متسعة على انغلاقها، تصطبغ الرحلة الكابوسية بصبغة الذاتية نصل معها إلى لحظات مشوشة، لسنا واثقين من هل ما تمر به الشخصية واقع أم تخيلات، وعزز هذا الارتباك أسلوب السرد الذي بدأ بحادثة الافتتاحية في حقبة السبعينيات، تأسيسًا للفكر الرجعي في المجتمع الأبوي، ثم انتقل للحاضر لاستعراض الخوف المتجذر في نفس الأنثى، ليستعرض نقطة سندرك فيما بعد أنها كانت لقطة استباقية للأحداث flash forward، ليبدأ من بعدها رحلة سارة النفسية والجسدية في تجربتها لهذه الليلة.
والفيلم – كما ذكرنا – هو التجربة الروائية الطويلة الأولى لمخرجه الذي لم يبخل علينا بإغراقه في الأسلوبية. فإذا جاز لنا التعبير بأن العمل السينمائي له كفتان، الأسلوب مقابل المضمون Form vs content، فلا شك أن القرارات الإبداعية المتكلفة للمخرج قد رجحت كفة الأسلوب. من استخدام حركات كاميرا كثيرة، وزوايا تصوير ملفتة، فضلًا عن الموسيقى الصارخة التي كانت تصدح عالية طوال الأحداث، وغابت عنها هوية البلد الذي خرج من رحمه الفيلم.
لكن كل ما سبق لا يعني أن نكيل الانتقادات للمخرج، التكلف في القرارات الإبداعية أمر وارد حدوثه في العمل الأول رغبة في استعراض القدرات الإبداعية، وانطلاقة لأعمال لاحقة.
لذا، من الجدير أن نقف عند القرارات الإبداعية التي تبشر بما يملكه المخرج، مثل اختيار التقيد بمدة زمنية تتصارع معها البطلة وتزيد من حدة صراعها كلما أوشك الموعد مع أبيها على الاقتراب، وأداء الممثلة السعودية أضواء بدر التي كان أداؤها يحبس الأنفاس وهي تلهث خائفة، ولحظات غضبها وصراخها نفخت الحياة في شخصية سارة وأصبحت لحمًا ودمًا. وتصميم الإنتاج في مشهد خيمة أبي فهد بحوائط من المخمل الأحمر القاني يذكرنا بالغرفة الحمراء الكابوسية في مسلسل “توين بيكس” للمخرج ديفيد لينش.
أما المونتاج، فكان يلهث بقطعاته السريعة في مشاهد المطاردات، وكذلك قطعاته المفاجئة، والمؤثرات الخاصة التي عكست الحالة الذهنية التي تمر بها البطلة. والفيلم به مشهد حصار الناقة ومطاردتها للبطلة كان من أتقن المشاهد على مستوى الكتابة والتمثيل والتصوير وإيقاع الانتقالات المونتاجية. وضعنا فيه المخرج في نفس مأزق البطلة بوضع الكاميرا في نفس مستواها في الإطار، مع الحركة السريعة عند محاولاتها للفرار، وتوج المشهد بأداء أضواء بدر بأطياف من المشاعر والانفعالات المتضاربة من الخوف، واليأس، ثم الرغبة في النجاة، والحزن؛ كل هذا إلى جانب المجهود الجسدي المصاحب للمشهد. فكان المشهد ذروة رحلة الخوف التي تخوضها سارة لتولد من جديد.
بالنهاية جملة «رب ضارة نافعة» التي كانت بمثابة الحكمة من وراء الليلة الكابوسية التي تكبدتها البطلة في مواجهة ليل الخوف، هي أيضًا ربما مناسبة لموقف مخرجه، ولوصف الفيلم كونه عملًا أول انقسمت حوله الآراء، ويحوي نقاطًا إبداعية جيدة وأخرى حادت عن المسار.