عبدالمحسن المطيري
يعتبر المخرج ريدلي سكوت من أشهر الأسماء في السينما الحديثة القادرة على خلق عوالم مختلفة ومنوعة ما بين السياق التاريخي والخيال العلمي والفانتازيا والدراما الجغرافية في قارات مختلفة. ومع فيلم “نابليون”، الذي يعرض هذه الأيام في السينما، يُكمل سكوت مسيرته نحو خلق العوالم المختلفة والشخصيات المتنوعة، في أماكن وأزمنة تتغير حسب الفيلم، حتى خلق قصة خارج إطار الأرض مثل تجربته العلمية السينمائية الفريدة في كوكب المريخ من خلال فيلم «The Martian». ويتنوع سكوت في تقديم القصص من خلال الحقب القديمة مثل الأحدث مع القرن السابع عشر ورحلة نابليون وصراعاته المتحورة بين القارات القديمة الثلاث على الرغم من الخلاف النقدي الحاد الذي واجهه الفيلم، ونقد البعض لسكوت في عدم التعمق الكافي في شخصياته التاريخية من بينها هذا الفيلم، ولكن يظل مخرجًا يعرف كيف يصنع الماضي، كما فعلها بالحقبة الرومانية القديمة لفيلم «Gladiator» في عام 2000، الذي يحكي السياق الحكواتي الخاص بالجنرال ماكسيموس ديسيموس، الذي من زاويته نشهد مرحلة الإمبراطور الروماني القوي ماركوس أوريليوس ومرحلة الانتكاسة التي حلت بروما مع تولي ابنه كومودوس عرش الخلافة.
قبل سنوات صنع سكوت فيلمًا شبيهًا بالمصارع شكلاً، ولكن بالتأكيد ليس بنفس العمق والحكاية، وهو فيلم «Robin Hood» الذي لم يجد نجاحًا يُذكر. عشق التاريخ لم يتوقف عند هذا الفيلم، فقد سبق أن قدم سكوت أيضًا فيلمه المثير للجدل «مملكة الجنة» الذي يحكي قصة صراع صلاح الدين الأيوبي مع الحملة الصليبية ومعاركه الشهيرة لاسترداد القدس.
وقبل هذا الفيلم قدم “عالم هارلم” المعقد في فترة الخمسينيات والستينيات الميلادية، والتي كانت صعودًا لعصابات السود في الولايات المتحدة مع فيلم الجريمة «AmericanGangster»، الذي كان فيه أيضًا ممثل سكوت المفضل رسل كرو مع الممثل الأميركي الأفضل في جيله دنزل واشنطون.
فترة التسعينيات تعتبر الأقل توهجًا من الناحية الإبداعية لـ«سكوت»، فهو لم يقدم شيئًا يُذكر سوى كلاسيكيته الحربية «G.I. Jane» مع ديمي مور، وفيلمه الدرامي الرائع «Thelma & Louise» الذي قدم فيه نمطًا سرديًا اجتماعيًا بعيدًا عن عوالمه الخارجة عادة عن السياق الأميركي بالشكل المحلي المعتاد.
ومن التاريخ مرورًا بالفضاء إلى عوالم الجريمة السفلية في نيويورك، لا ننسى رائعة سكوت الخالدة، وهي فيلم الخيال العلمي المرعب «Alien» الذي فتح آفاقًا جديدة لسلسلة مرعبة مستمرة حتى يومنا هذا. وينطلق ويبحر أكثر في عالم الخيال، وهذه المرة باستشرافه للمستقبل مع الفيلم العلمي الطليعي كفكرة في وقته «Blade Runner» الذي صنعه سكوت في عام 1982.
مخرج ناجح – بلا شك – على الأقل في شباك التذاكر، يلاحظ عليه حرصه الشديد جدًا لمحاكاة الماضي بكل تفاصيله، ويجد النقاد بل حتى الجمهور، عدم عمقه في تحسين السيناريو وعدم المجازفة في الكتابة أو المشاركة في كتابة شخصياته بشكل معقد وقريب من نمط بول توماس أندرسون مثلاً في فيلم «There Will Be Blood».