محمد عبدالرحمن
في كواليس أي مهرجان سينمائي يتكلم النقاد أكثر مما يكتبون، المقالات عادة ما تتناول أفلام بعينها ولها حد أقصى حسب طاقة استيعاب كل إصدار، لهذا تشهد الجلسات الخاصة بينهم المزيد من الإضاءات حول الأفلام، خصوصًا للنقاد المحترفين الذين يشاركون في معظم المهرجانات، بالتالي لديهم القدرة على متابعة عدد كبير من الأفلام وتقديم نظرة أكثر شمولاً من الكاتب غير المحترف أو الجمهور بالطبع الذي قد يحكم على صناع فيلم من تجربة وحيدة، بل يحكم أحدهم على صناعة كاملة بسبب فيلم أو فيلمين على أقصى تقدير.
في جلسات النقاد خلال الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، طرح ناقد على زميله هذا السؤال: أيهما أفضل: فيلم «أغنية الغراب» لمحمد السلمان، أم «مندوب الليل» لعلي الكلثمي؟ كلاهما سبقني في هذه المهنة وفي مشاهدة الأفلام، بالتالي كانت الإجابة مفيدة لي للغاية، قال الأستاذ الأكبر أن المقارنة بين الأفلام غير مطروحة بالأساس، فكل فيلم يتميز بطابع خاص، وإن كان يجمع بينهما أزمة الوجود التي يعيشها البطل، لكن لكل مخرج لغته السينمائية المستقلة التي سمحت للأول بأن يمثل السينما السعودية في مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي العام الماضي، فيما يترقب الكثيرون العروض التجارية لـ«مندوب الليل» بعد الإشادات النقدية التي حققها في تورنتو والبحر الأحمر.
سؤال الأفضل دفعني لطرح سؤال آخر، يتعلق بالاتجاه الذي تذهب إليه السينما السعودية التي حققت معدل تقدم غير مسبوق، في وقت قصير للغاية، ربما لا يزيد على خمس سنوات تلقى مخرجون ومنتجون دعمًا غير محدود لإنتاج الأفلام بهدف واضح للجميع، أن تكون الصالات السعودية منتجة وليست فقط مستوردة. ملايين الريالات التي حققتها الصالات تذهب بالأساس للأفلام الأميركية والهندية والمصرية، لكن أين أصحاب الأرض، هذا هو سؤال الاتجاه.
في تقديري أن كل التجارب التي تشهدها السينما السعودية 2023.. سؤال الاتجاه حاليًا، هي في جملتها أمر مبشر للغاية، صحيح أن هناك تفاوتًا في المستويات لتلك الأفلام التي تشارك في المهرجانات وتنافس على الجوائز، وصحيح أن الفيلم الذي حقق إيرادات قياسية وهو “سطار” يصنف بأنه عمل تجاري بحت موجه للجمهور الباحث عن التسلية؛ لكن من قال إن السينما حتى تتطور يجب أن تسير على سطر واحد، وهو الأفلام الفنية رفيعة المستوى.
باختصار، يمكن القول إن تكثيف الإنتاج في السنوات الحالية هو أمر ضروري وملح، طالما أن الإمكانات المادية والفنية متوفرة، وأن الإحباطات التي تسببها بعض التجارب عرض جانبي طبيعي، ولا أعتقد أن هناك سينما في العالم يتفوق فيها الفني كمًا وكيفًا على التجاري؛ المطلوب هو التنوع، لكن الأهم هو التعلم من الأخطاء، وهو ما لمسته من العديد من المخرجين السعوديين الصاعدين بشكل يجعل التفاؤل مسيطرًا فيما يتعلق بالتجارب المقبلة، خصوصًا أن السوق السينمائي في السعودي على مستوى الإنتاج والتوزيع قادر على استيعاب عدد أكبر من الأفلام وبشكل يجعلنا نتوقع للوصول لسنة 2030 وقد استقرت خريطة السينما في السعودية ولم نعد في حاجة لاستخدام صفة «الوليدة»؛ لأن الاتجاه قد ظهر واتضح وعلى السائرين على الطريق فقط مراعاة العلامات الاسترشادية وتقديم كل الأنماط التي تعجب الجمهور، ساعتها فقط نراهن على أن تتخطى الأفلام المحلية حدود المملكة وتجتذب الجمهور في باقي دول المنطقة.