سوليوود «وكالات»
رحلة مبهجة لكنها شديدة الظلام لفترة تاريخية مؤثرة حتى الآن
أداء رائع لكريستيان بيل مهد طريقه للجوائز الكبرى.. وأسلوب مدهش للمخرج آدم مكاى
يأتى فيلم «نائب» أو vice، الذى ينافس بقوة على الأوسكار، ليحتل مكانة بارزة بين الأفلام السياسية التى طرحتها شاشة السينما الأمريكية أخيرا، حيث يؤرخ لسيرة رجل ترك تأثيرا كبيرا فى مجرى الشارع السياسى، فى حقبة مهمة من الزمن، وهو ديك تشينى، أقوى نائب رئيس، عرفه التاريخ المعاصر، وكيف تمكنت سياساته من تغيير العالم، ليبدو عالما جديدا غير الذى كان قبله، فى عهد جورج بوش الابن، حسبما يشير العمل السينمائى، وبأساليب لا تزال آثارها حتى اليوم. وذلك كما جاء في موقع صحيفة الشروق المصرية.
حكاية الفيلم تبلورت فى ذهن المؤلف والمخرج آدم مكاى، بعد فترة قصيرة من عرض فيلمه (ذا بيج شورت) الفائز بالأوسكار وتناول فيه انهيار سوق العقارات الأمريكية بأساليب غير تقليدية.
شعر مكاى بالانبهار من السلطة التى اقتنصها تشينى بصمت ومن خلف الكواليس فى إدارة جورج دبليو بوش، وألهمه ذلك إخراج فيلم «نائب» لكشف حقيقة ما حدث، وتساءل: «كيف استطاع هذا الرجل البيروقراطى الغامض الذى لا يتمتع بأى حضور أن يؤثر فى التاريخ لهذه الدرجة؟!».
الفيلم على مدى 132 دقيقة، يتتبع تشينى منذ أيامه الأولى كمسئول فى ولاية وايومنج، والذى يخضع لأهواء زوجته «لين»، التى تلعب دورها الممثلة إيمى آدام، لإجباره على حياة مهنية أكثر احتراما، إلى انتقاله فى إدارة نيكسون ليعمل فى النهاية كنائب للرئيس جورج دبليو، وقد مزج بشكل مثالى بين لحظات دراماتيكية ساخنة ورومانسية واخرى فانتازيا، حيث يجسد الممثل كريستيان بيل «تشينى» كسياسى متعطش للسلطة على استعداد للتضحية بأى شىء ــ حتى أفراد عائلته ــ وشخصية انتهازية متآمرة تدفع بوش إلى حرب غير مدروسة فى العراق، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ليظل فى المكان والوقت المناسبين، لفترة كافية لتدمير المكان بالكامل عندما أتيحت له الفرصة، حتى يمتلك نفوذا كبيرا، لدرجة أنه يقود الولايات المتحدة إلى واحدة من أكثر الحروب كارثية فى التاريخ الأمريكى.
كما تناول أيضا قصة الحب بين تشينى وزوجته فى عدة مشاهد، من بينها مشهد يخوض فيه ديك ولين حوارا على الطريقة الشكسبيرية للتخطيط للخطوة التالية فى تاريخه المهنى، وهى التى كانت تمثل له القوة الدافعة لتأثيره فى وظيفته، ويظهره العمل ايضا فى لحظات رقيقة مع ابنته المثلية مارى «اليسون بيل».
مكاى حاول أن يكون الفيلم تجسيدا للشخصية لا أن يكون عن الصراع بين اليمين واليسار، وأن نفهم المسار الذى انتهجته أمريكا بحق، عبر قصة عن تحول طموح أمريكى متواضع للسلطة إلى شىء أشد قسوة وقتامة ودهاء غير محمود.
عبر مشاهد الفيلم يغوص السيناريو بعمق فى حياة وأوقات ديك تشينى الذى لا يلين على الإطلاق، حيث تبدو كلمة نائب عكس الفضيلة، ويصور خطى زعيم متواضع وضعته سنواته الثماني فى المنصب فى بعض الجوانب الأكثر إثارة للقلق فى الحياة السياسية الأمريكية.
متعة مشاهدة «Vice» لا تكمن فى استحضار الأفكار المسبقة الخاصة بالمرحلة، ولكن فى الاستمتاع بالطريقة السينمائية المثيرة خلال إخبارنا القصة.
ألقى المخرج بكل شىء على الشاشة، بما فى ذلك صور الأخبار غير المتوقعة والتى أثارت جدلا بأروقة البيت الأبيض، وجعل ممثليه يلعبون أدوارهم بشكل رائع، وخاصة كريستيان بيل، الذى قدم أداء عميقا ومبهرا، ربما يكون الأهم فى مشواره، وتحمل ما يقرب من خمس ساعات من جلسات الماكياج اليومية، ولجأ إلى زيادة وزنه 45 كيلو، وعمل بشكل خاص على تقوية رقبته من أجل تجسيد ديك تشينى، الذى كان من أوائل المؤيدين لغزو العراق فى عام 2003، واختلف مع بوش فى موقفه ضد زواج المثليين فى أمريكا، وقال كريستيان: «عندما تحصل على هذا الرقبة، تشعر بأنه لا أحد يستطيع تغيير رأيك»!.
الفيلم لا يهتم فقط بصعود تشينى إلى السلطة كواحد من أقوى الزعماء فى تاريخ امريكا، وقد فعل ذلك مثل شبح، وفقا للسياق السردى لأحداث السيناريو الذى كتبه مكاى أيضا، ولكن اهتم ايضا بطبيعة السلطة السياسية بشكل عام بالتوازى مع صعوده فى واشنطن، وتطرق إلى أروقة النفوذ فى البيت الأبيض، بينما أصبح ديك تشينى مفتونا بشىء يسمى «النظرية التنفيذية الأحادية»، ما يدعو بأن الرؤساء لهم سلطة مطلقة.
يفترض الفيلم أن تشينى وجد طريقا ليصبح رئيسا مشاركا فعالا إن لم يكن شيئا أكثر، وفق مفهوم فكرى طرحه العمل وهو «كلما أصبح العالم مربكا أكثر فأكثر، نتجاهل الحقائق التى تغير وتشكل حياتنا ويصر على أن النتائج ستكون رهيبة، فى اطار صورة مشاهد مضحكة وساخرة، بمعنى البهجة الاكثر قتامة والأشد ظلمة.
ففى جزء كبير من الفيلم نستطيع وصفه بأنه مأساوى غامض ومظلم، حول شخصية الرجل الذى أصبح نائب الرئيس الأكثر قوة وخطورة فى تاريخ الأمة، لكننا نرى ايضا مزاجه العام مبهجا للغاية أو بتعبير آخر مسليا وعدميا، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقة تشينى مع ابنته المدللة مارى تشينى «أليسون بيل»، وهى اللغة السينمائية التى يفضلها المخرج مكاى، مثلما فعل فى افلام سابقة، بالقطع كان أداء كريستيان بيل هى النقطة الاهم والاكثر تميزا، والذى يتحول ببراعة إلى إطار شخصية ديك تشينى وكأنها أقرب إلى الحقيقة فى فيلم شديد التوتر، وقد اقتنص جائزة جولدن جلوب افضل ممثل، وبأداء إيمى آدامز (لينى تشيني)، التى ترفض أن تتنازل عن شخصيتها بأى حال، ومعها ستيف كارل فى دور «دونالد رامسفيلد»، وسام روكويل «جورج دبليو بوش»، وليزاى ماميلتون «كونداليزا رايس» وأليسون بيل «مارى تشينى»، فى أدوار داعمة.
كان من أكثر العناصر تميزا هو استخدام المخرج غير التقليدى لشخصية الراوى. وكوننا فى كثير من الأحيان نبدو محاصرين بين نوايا محاكاة ساخرة ليبرالية واسعة ومحاولات أكثر صدقا لفهم جوهر شخصية تشينى، حيث برع بالخوض فى ذهن ديك تشينى، دوافعه ومخاوفه، وانكساراته وانتصاراته، وفق خط سينمائى صعب، وكان التساؤل المهم: هل هو يلقى الضوء على حياة بطله وهو يصعد إلى السلطة أم أنها تسخر منه؟ ولكن فى النهاية يبدو الفيلم وكأنه يضىء التاريخ المثير للقلق حقا، والأشخاص الذين فى السلطة، وإن كان يبرز كيف ازدهرت الطبقة المتوسطة البيضاء فى السياسة الأمريكية والثقافة الشعبية.
وينتهى الأمر برسالة تحذيرية من نوع «الكثير من القوة تفسد تماما».. لكن آدم مكاى يتخذ منهجا دقيقا وموهوبا جدا لهذه القصة، ويجعل الفيلم أكثر روعة.