إيمان محمد
«يتطور التأثير بأحاسيس المشاهد تباعًا كلما تطورت التقنيات في السينما»
نطقت السينما بعد سنين من الصمت دام 25 سنة وتحولت بعدها إلى مرحلة جديدة من الأفلام الناطقة بالحوارات المسجلة والمدموجة لمرحلة ما قبل ومرحلة ما بعد، بالضبط كما حدث قبل مرحلة الأفلام الملونة وما سبقها من أفلام بالأسود والأبيض. هذه التصنيفات تعتبر الأبرز عند المشاهد حتى الآن في تاريخ صناعة السينما، في وقتها كان حجم تأثير كل مرحلة من تلك المراحل على المشاهد، له أبعاد اعتمدت على معايير المرحلة وإمكاناتها التقنية.
التأثير في مرحلة الأفلام الصامتة
كانت الأفلام الصامتة تعتمد على التعبير الحركي الفني بسبب عدم وجود تقنية تسمح بدمج الصوت مع الفيلم، ما جعلها مرحلة محدودة التعبير استعاضت عن غياب الصوت بالحركة المبالغ فيها لإيصال رسائل الفيلم المحدودة ما بين كوميديا بسيطة، ورومانسية سطحية، ودراما متواضعة؛ لكن في ذات الوقت ساهم غياب الصوت في تناسب الفيلم لجميع اللغات، وهذه أبرز مزايا المرحلة التي جعلت الأفلام الصامتة تنتشر في العالم ويصبح ممثلوها عالميين بلغة الجسد لا باللسان. هذه المرحلة كان لها روادها من المخرجين والممثلين أبرزهم الممثل العبقري “تشارلي تشابلن” الذي بقي محتفظًا بأسلوبه في التمثيل حتى بعد ابتكار تقنية دمج الصوت مع الصورة، تلاها أيضًا رفضه للجنسية الأميركية باعتبار أنه مواطن عالمي كما كان يردد: «لأنني مواطن عالمي.. أنا رجل أنتمي إلى العالم كله».
الجانب التشويقي الأعظم في هذه المرحلة هو انسجام المشاهد مع أداء الممثل، لدرجة أن المشاهد كان ينطق عوضًا عن الممثلين من شدة تفاعله مع مواقف الخطر أو السخط أو الرعب.
التأثير في مرحلة الأفلام الناطقة
كان أول فيلم لهذه المرحلة في عام 1927 هو الفيلم الأميركي «مغني الجاز» بعد أن تطورت التقنية في تسجيل الصوت من خلال جهاز الفيتافون، لتنطلق بعدها مرحلة فنية عاصفة شملت الكتابة السينمائية في نصوص السيناريو الذي كان نشطًا على موجات الأثير في الراديو لترتقي بعدها السينما.
مرحلة جديدة من التأثير بالتعبير المرئي والمسموع، وفي هذه المرحلة تحولت الرسائل البسيطة إلى رسائل أعمق وأعقد من مرحلة الأفلام الصامتة. فالتحول هنا أدخل أدوات فنية أكثر حول السينما إلى مستوى «الفن السابع» بشموليته لمجموعة من الفنون المكتوبة والمسموعة والمصورة. ومرحلة أتت بمدارس أدائية مختلفة لا تشبه ما قبلها في التعبير الحركي المبالغ فيه، ومواضيع أكثر تنوعًا، ومدارس إخراجية تعبيرية وواقعية وخيالية كان من الصعب الخوض فيها في مرحلة السينما الصامتة.
التأثير في مرحلة الأفلام الأسود والأبيض
قد يستغرب البعض إن كان لهذه المرحلة تأثير في حينها أم لا، ولكن لنسبة كبيرة من المشاهدين كان يخيل لهم أن هذه الألوان المتدرجة ما بين الأبيض والأسود ودرجاتها، هي في الأصل حقيقية بهذا الشكل الذي يرونه قبل أن يتمعنوا أكثر في التقنية وتطوراتها. غير أن هذه المرحلة بلا ألوان كانت تصبغ في ذهن المشاهد ألوانًا من الرومانسية والكلاسيكية ارتبطت بأناقة هذه المرحلة التي كانت تشهد ذروة التصاميم الكلاسيكية في الأزياء والديكور، والتي انعكست على السينما في وقتها لتجعلها تستمر حتى اليوم مصدر شاهد على مرحلة من الأناقة والجمال.
التأثير في مرحلة الأفلام الملونة
بدأت محاولات التصوير بالألوان في عام 1907 تتدرج ما بين نجاح وفشل حتى الاكتمال في عام 1922 بتقنية الألوان «تكني كلر» التي توافقت بداية مع مرحلة الأفلام الصامتة عبر فيلم «قصة البحر».
بعد عرض الفيلم في سينما نيويورك حدثت نقلة نوعية في الصورة المرئية، بدأت بعدها القصص تتطور في تقديم رسائل أكثر تعبيرًا للمشاهد باعتماد الألوان. لم تدم مرحلة الصمت مع الألوان، إذ بعدها بخمس سنوات من مرحلة تطور تقنية الصوت تحولت السينما إلى سينما ناطقة وملونة. بدأ بعدها الانفجار المهول في هذه الصناعة، وبدأت المواضيع السينمائية تتعمق أكثر وأكثر في تقديم رسائلها التي بدأت تتغلغل في جميع أحاسيس المشاهد بعد أن كانت تعطلها وتستهدف بصره.