سلطان القثامي
تشهد الرياض حاليًا إقامة مؤتمر النقد السينمائي، بمشاركة مجموعة من المهتمين بمجال صناعة الأفلام، من كتّاب وممثلين ومخرجين ونقّاد. وهذه الخطوة فرصة حقيقية للتواصل بين أطراف مختلفة تستفيد بشكل مباشر من الآراء المتعددة، لتحقيق الهدف هذا التواصل، وهو إثراء وتحسين الإنتاج السينمائي.
يشدد هذا المؤتمر على أهمية النقد في الحركة السينمائية. تاريخيًا، كان للناقد السينمائي دور مفصلي في تطوير السينما حول العالم. بدأ النقد السينمائي عالميًا في عشرينيات القرن العشرين مرتكزًا على تقنيات ضبط الصورة المتحركة وبناء المونتاج، وتطور تدريجيًا مع بروز النظريات النقدية الحديثة وعلى رأسها نظرية الشكلية.
أحد الأمثلة على أثر الناقد في السينما هو المنظّر السينمائي الفرنسي أندريه بازين، الذي اعتاد مناقشة الأفلام وتسليط منظوره النقدي في السينما حول الواقعية الموضوعية، والتركيز العميق، ومحاولة تثبيط الأثر المبالغ فيه للمونتاج، بحيث يُترَك تفسير الفيلم وتحليل مشاهده للمشاهد.
ويحرص بازين في نقده على إعطاء الأولوية للموضوع. فالفكرة تسبق الاختراع من وجهة نظره، فلا يجب أن تعالج التقنيات السينمائية الواقع بواسطة التحرير ومؤثراتها البصرية المركبة. فكلما اعتمدت صناعة المشهد على اللقطات الطويلة والعريضة، أصبح الفيلم أقرب إلى الواقع. فاستمرار اللقطة لفترة زمنية طويلة يعطي الانطباع للمشاهد بصدق وواقعية المشهد السينمائي. وهذه القناعات لدى بازين تنبع من تأثره بالحركات الفلسفية التي سبقت السينما وليس فقط النقد الحديث.
يعزو كثير من النقاد تمسّك بازين ببعض اعتقاداته النقدية لولعه الشخصي بالميتافيزيقا والأطروحات الفلسفية المتعلقة بالإنسانوية – مناهج فلسفية مرتكزة على التجربة البشرية العقلانية بعيدًا عن العقائد الثابتة – ومنها قراءاته في فلسفات الوعي التاريخي والجدلية لدى الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل.
فتفضيل بازين للقطة الأحادية أو الطويلة في تحليل الأفلام، على سبيل المثال، تعود لاعتقاده بأن الوعي التاريخي ينكشف في امتداد اللحظات الزمنية التي تمنحها اللقطة والتي تتضمن أيضًا حرية الشخصيات في المشهد الطويل.
وهكذا تطور النقد السينمائي مع الموجة الجديدة في فرنسا، التي تبنّت منظور تحطيم الأيقونات أو الأعراف التقليدية «iconoclasm» كردة فعل على الأساليب التقليدية في السينما ومنها الموضوعية والواقعية الجديدة في إيطاليا. فاعتمدت على التجديد في التحرير والأسلوب السردي ومناقشة قضايا وجودية معاصرة. وتطور معها فكرة المخرج المؤلف، وهي الحالة التي يعبر فيها المخرج عن منظوره وأفكاره الشخصية، وبالتالي يصبح المؤلف الرئيسي للفيلم.
ونشأت هذه الفكرة مع الفرنسي فرانسوا تروفو، وأطلق عليها الناقد الأميركي أندرو ساريس لاحقًا مصطلح «auteur theory» وهي نظرية نقدية يستند إليها النقاد في مناقشة الأفلام التي يعكس فيها الإخراج السينمائي سياسة مؤلفه.
فالبنسبة إلى تروفو، فإن السينما تمضي في طريقها لأن تصبح وسيلة جديدة للتعبير على خطى الفنون الأخرى مثل الرسم والرواية. فأصبح باستطاعة الفنان أن يعبر عن أفكاره المجردة ويترجم هواجسه من خلال السينما كما يفعل كاتب المقال أو الرواية.
ولهذا السبب يسمى هذا العصر الجديد بعصر أسلوب الكاميرا. فيعكس النقد السينمائي في التجارب الغربية وجوده كمرجع رئيسي لتطوير الصناعة السينمائية. ومن هنا، يمكننا إدراك أهمية وجود الناقد السينمائي في المجال.
فالصناعة، وإن اعتمدت على العناصر الأساسية في صناعة اللقطة، ينقصها الحس النقدي في النص السينمائي. وكما نرى اليوم في السينما السعودية، ما زالت تفتقر كثير من الأعمال إلى البعد النقدي لنقل العمل لمرحلة أفضل فيما يتعلق بجودة النص والاستخدام الأمثل للتصوير السينمائي.
والنقد عمومًا يعيد تفكير الفنان في عمله ويعينه في الوصول للحلول بشكل أسرع. فعلاقة الناقد بصنّاع الفلم ضرورية جدًا تجاه النجاح، والتجسيد الأمثل لهذا الاهتمام هو تسهيل عملية التواصل بين الطرفين من خلال دعم النشرات النقدية أو اللقاء المباشر بين أطراف الصناعة كما نشهد حاليًا في مؤتمر النقد السينمائي.