محمد عبدالله الأنصاري
بعد شارة المقدمة، حيث تنكشف العواطف وتأسر القصص، هناك مسرحية عميقة تخطف أنفاس الجماهير بسحرها، هذا العمل الفني يطلق عليه اسم «السينما»، ملحمة خالدة حيث تتنفس الشخصيات الحياة، وتتطور الحبكة، وسمفونية الإضاءات الساطعة والظلام الحالك تُديران العرض. ومع ذلك، وبعيدًا عن الأضواء، داخل الشبكة المعقدة لوجهات النظر والآراء، هناك مجموعة اختارت أن تكون منبوذة عن الآخرين؛ إنهم النقاد السينمائيون، في مسرحية التحليل. يتولى هؤلاء النقاد، تمامًا مثل الممثلين الدور الرئيسي على المسرح، منهمكين في تفكيك السرد السينمائي بحزم وفتح الأبواب النقدية المغلقة.
لنتخيل أن النقاد السينمائيين في دور الممثل، بأدوات تحليلية في متناول يدهم، يخطون إلى خشبة المسرح «السينما»، تمامًا كما يمنح الممثلون الحياة لشخصياتهم، يمنح النقاد الحياة للأفلام التي يدرسونها، بدقة تشبه السلوكيات الشكسبيرية، يصقلون استعراضاتهم ببراعة لجذب قرائهم من خلال دقة ألفاظهم، تمامًا كما يجذبنا سحر الصور المتحركة على الشاشة.
خشبة المسرح «السينما» في حالة مستمرة من التغيير، تقدم مجموعة متنوعة من القصص والقضايا والمواضيع المختلفة، يتكيف النقاد، هؤلاء الممثلون المحترفون للتحليل، مع هذا المشهد المتغير باستمرار، يعيشون المأساة، يسبحون في أعماق القصص الدرامية. هم أيضًا الكوميديون، والرومانسيون الذين ينغمسون في قصص الحب. يتولى النقاد عددًا من الأدوار والشخصيات تمامًا كما يتنقل الممثلون بسهولة بين الشخصيات، وبذلك يقدمون لنا وجهة نظر مختلفة في فن السرد السينمائي المتعدد الأوجه.
النقاد لديهم القوة لنقلنا إلى قلب «السينما»، يبنون القصص التي تلخص جوهر الفيلم، كل مراجعة هي عرض أداء، تعكس وجهة نظر الناقد المميزة وأسلوبه النقدي. يروج الناقد أيضًا لحوار سردي، تمامًا مثل الممثلين الذين يشجعون جمهورهم على المشاركة، ويدعوننا لنكون جزءًا فعالاً في حوارهم التفسيري في كلماتهم المكتوبة.
مثل الممثلين على المسرح، يواجه النقاد السينمائيون أيضًا ردود أفعال من الجمهور، قد تكون إعجابًا أو نقدًا على نقدهم. ومع ذلك، يستمرون؛ لأن النقد ليس أداة سلبية للتلويح بالآراء السلبية، بل تحليل.
لن تكتمل مسرحية «السينما» دون مجموعتها من النقاد، حيث يؤدي كل منهم دورًا مهمًا في إشعال هذه المسرحية. هم أيضًا الفنانون الذين يكتشفون التفاصيل المخفية داخل لوحة الفن السينمائي، يكشفون عن الكنوز المخبأة ويقدمون وجهات نظر جديدة. يرشدنا النقاد، ويقربوننا أكثر إلى النواة الغامضة لهذا الفن، ويتيحون لنا تجربة القوة التحليلية من خلال منظورهم النقدي.
لذلك وقبل أن يسدل الستار، في المرة القادمة التي تجلس فيها في ظلام مسرح السينما أو تنغمس في شاشة منزلك، تذكر أن «السينما» هي مسرحية متعددة الشخصيات؛ النقاد هم فقط المحللون، يؤدون أدوارهم بحماس، كلماتهم تدعو للمشاركة معهم في رحلتهم المفتوحة لفهم الأمور، لتصبح جزءًا من المسرحية؛ إذ كل مراجعة هي فحص دقيق، وكل وجهة نظر هي جزء من المسرحية «السينما».