نرمين يسر
نحن بصدد فيلم عائلي يتناول مدى أهمية التمسك بالعادات والتقاليد الدينية والثقافية وعلاقة الشباب والمراهقين بأسرهم، وهل يعتبر الوالد نفسه مقصرًا عندما يشعر الابن بعدم الرغبة في جذوره الأصلية، بل لا يريد احترام القواعد المتبعة من الأسرة. يبحث المخرج عبدالمحسن الضبعان في فيلمه «آخر زيارة» عن إجابات من خلال الفحص لتعقيدات الحياة الأبوية في عائلة إسلامية.
يتعين على الأب ناصر «أسامة القس» أن يختبر أعصابه باحثًا عن القوة التي تعينه في التعامل مع مراهق يرفض طاعة كبار السن في العائلة، ولكن في نفس الوقت يسعى لإثبات نضجه بطرق أخرى غير مسؤولة مثل أن يقود السيارة وهو لا يحمل رخصة قيادة، أو يذهب للسباحة رغم عدم معرفته بها، خاصة أنهما سيشتركان في رحلة إلى زيارة الجد، التي سوف يتضح فيها الشرخ الكبير في علاقتهما، الذي يسبق الزيارة التي تشغل الجزء الأكبر من وقت عرض الفيلم البالغ 75 دقيقة، كلاهما لا يشعر بالراحة وإنما تشوب رحلة الطريق نوع من القلق، وبمجرد وصولهما إلى منزل الجد يشير الحوار إلى أن ناصرًا في منتصف العمر كان صبيًا غير متوافق مع تقاليد منطقته «الشرقية» مما أدى إلى انتقاله لمدينة كبيرة، بينما بقي معظم أقاربه في القرية.
وبعد عدة عقود يجسد المراهق وليد الخطوة التالية من هذا التغيير الاجتماعي، فيبقى وليد منعزلاً عن العالم الخارجي غارقًا فيما يبثه هاتفه المحمول من خلال سماعات الرأس وسط مجتمع منسجم مع بيئته وكأنها نوع من التحدي، على عكس والده الذي يمكنه لعب دور الرجل المتدين الدؤوب على الصلاة من أجل المظهر الحسن أمام عائلته، في حين أن وليدًا الابن لا يهتم ولا يستطيع التزام الصمت فيتحدى والده متسائلاً: لماذا لم تطلب أن أصلي إلا عندما وصلنا إلى منزل جدي؟
من اللافت للنظر غياب العنصر النسائي «لم تظهر إحداهن على شاشة الفيلم»، ربما وجود الأمهات والأخوات من شأنه أن يخفف وطأة المواقف الصعبة التي تسيطر على عائلة جميعهم من الرجال فاقدي التواصل فيما بينهم، خاصة عندما تتباين الأجيال فيما بينهم في استعارة مؤثرة للتصادم الأساسي بين الحاضر والماضي من خلال ثلاثة أجيال الأبناء والآباء والجدود.
يمكن القول إن لعب دور المراهق المتمرد الذي يجسده وليد قد أصبح قديمًا، لكن الشخصية مكتملة الأركان بما يكفي لتبدو واقعية، يريد الهروب بالتأكيد لكنه يريد أيضًا الحصول على موافقة من والده، والخيارات التي يتخذها بحثًا عن هذه الموافقة لا تختلف عن الخيارات التي يتخذها المراهقون في الأفلام الأميركية.
يستخدم المخرج والكاتب عبدالمحسن الضبعان الكثير من النقاط البيضاوية في الفيلم مما يعكس قصر نظر الشخصيات الرئيسية فيما يتعلق بعضها ببعض. كما أنهم غير قادرين على رؤية الآخر بطريقة كاملة ومفهومة، وكذلك لا يستطيع الجمهور. يعوض الحوار القليل جدًا كاميرا المصور السينمائي أمين مسعدي تحريك الكاميرا على الوجوه والأشياء بعناية فائقة مما يعكس الأفكار والمشاعر العابرة لرجال العائلة على غرار الأفلام الوثائقية حيث تكون الكاميرا في الخارج. تلاحظ قبل مغادرة وليد وناصر تعود الكاميرا بشكل رمزي إلى الشقوق في الغرفة التي تقاسموها.
أتفق معك أن فيلم «آخر زيارة» هو نظرة مثيرة للاهتمام إلى شريحة من الحياة السعودية المعاصرة، والتركيز على موضوع عالمي أيضًا عن طفل ووالد منفصلين ويحاولان التقرب من بعضهما، ورغم الاختلاف يبقى بينهما الحب.