محمد عبدالله الأنصاري
عندما توفي المخرج jean-luc godard، في سبتمبر من عام 2022، كتب الكثير عن كيفية قضاء الوقت طوال حياته للتواصل مع الفنانين الشباب. لم يتردد في الثناء والتركيز على صناع أفلام شباب، أو في بعض الأحيان التملق، لكن بأسلوب واحترام ملحوظ. هذا التصرف فتح لي مسارًا وبابًا وطريقة للوجود في هذا العالم – أن تجعل نفسك متاحًا، وتشارك التحديات بشكل مفتوح، بالإضافة إلى الاكتشافات التي حققتها على مدى حياتك المهنية، وإزالة الغموض عن العملية الفنية، هذا هو نوع الإرشاد الذي لم أحصل عليه مطلقًا في حياتي الفنية – ألوم وباء المكانة الاجتماعية، الذي أخذ منا الكثير من الفنانين وصانعي الأفلام الذين ربما تعلمت منهم، واتبعتهم.
للثقافة العربية أبعاد فنية كثيرة، خرج منها مخرجون ومنتجون وكتاب يمثلون الفن العربي في صناعة الأفلام، لكن لن تجد من استطاع الوصول إليهم أو من سلط الضوء على أهميتهم في تطوير السينما العربية. لا نغفل أهمية الإرشاد والتعليم، وخصوصًا فيما يتعلق بالسينما العربية.
يلعب صُناع الأفلام العرب ذوو الخبرة الذين يشاركوننا أفكارهم حول المجتمع ويوجهون المواهب الناشئة دورًا محوريًا في رعاية هذه الصناعة، من خلال تقديم برامج الإرشاد وورش العمل وأنواع المحتويات المختلفة التي يمكن الوصول إليها. إن طريقة التفكير هذه تمهد الطريق لجيل جديد من صانعي الأفلام، ويضمن دورة مستمرة من الابتكار والإبداع، وفي هذه المقالة سأسلط الضوء على عدد قليل من المخرجين العرب، الذين حققوا نجاحات على مستويات مختلفة مما يدعو للتساؤل والفضول لسماع آرائهم ووجهتهم وقبلتهم الفنية.
ترك أحد أشهر المخرجين المصريين، يوسف شاهين، إرثًا خالدًا بفيلمه «محطة القاهرة 1958». تدور أحداث الفيلم في مركز محطة القطار الصاخب بالقاهرة، صور شاهين ببراعة قصة حب مأساوية وسط فوضى الحياة اليومية، وحاز إخراج شاهين المتقن وسرد القصص شهرة دولية لتصويره القضايا الاجتماعية مع تلخيص جوهر المجتمع المصري.
يقف فيلم شادي عبدالسلام «المومياء 1969» بمثابة جوهرة سينمائية عريقة. يحكي هذا الفيلم، الذي تدور أحداثه على خلفية مصر القديمة، قصة عائلة تحرس سر كنز مخفي. المشاهد المذهلة بصريًا والاهتمام الدقيق بالتفاصيل في تصوير الفترة التاريخية تجعل الفيلم أعجوبة فنية لا تزال تأسر محبي صناعة الأفلام في جميع أنحاء العالم.
في السنوات الأخيرة، يقدم فيلم «اشتباك 2016» للمخرج محمد دياب نظرة ثاقبة ومقنعة لمصر. تدور أحداث الفيلم بأكمله داخل سيارة شرطة أثناء ما يسمى بالربيع العربي، وتعرض الصراع بين الأيديولوجيات والثقافات والمعتقدات السياسية في مصر. يسلط سرد دياب المؤثر وتصويره السينمائي الضوء على تعقيدات الانقسام المجتمعي والسلوك البشري في ظل أسوأ الظروف وفي حقبة زمنية مؤثرة في العالم العربي.
يواصل المخرجون المصريون إنتاج أفلام مذهلة بصريًا وذات أهمية عربية، حيث يساهم كل مخرج بمنظوره الفريد وبراعته في سرد القصص في هذه الصناعة، وقدرتهم على تلخيص جوهر المجتمع المصري، وثرائه التاريخي؛ والتحديات المعاصرة التي يواجهها شعبهم تجعل هذه الأفلام ليست جميلة فحسب، بل أيضًا ذات أهمية ثقافية. وترك هؤلاء المخرجون، من بين آخرين كثيرين، بصمة لا تمحى على صناعة السينما العالمية، وعرضوا عمق الفن المصري في السرد القصصي، والتركيز على القضايا الاجتماعية المعاصرة، من خلال أعمالهم السينمائية الجميلة، لكن قلما تجد لهم بصمة في دعم الصناعة وتقديم المشورة لصناع الأفلام. هؤلاء المخرجون وغيرهم من الممارسين للمهنة في العالم العربي لن تجدهم لأسباب عديدة وعلى رأسها المكانة الفنية الاجتماعية التي تأتي مع الشهرة.