غفران قسَّام
افتُتِنَ كافكا في تفسير فكرة التصوير وما يهدف إليه من زيادة الوعي بأوجه الغموض في الصورة؛ ليستكشف أهم العوامل الفنية التي تجذب المشاهدين للصور فتتحدى رغبتهم في متابعة المشاهدة والتفسير. ومن هنا، يمكن انعكاس تجربة كافكا في التصوير الفوتوغرافي مع تجربة تصوير الأعمال السينمائية بوصف عدسة الكاميرا هي: الكاتبة، والمنتجة والمخرجة لحكاية مكتوبة أو شفاهية تعتمد على قوة البصريات بالدرجة الأولى. ويمكن انتقاء أعمال سينمائية في السعودية تشترك في إحساس مشترك يشير إلى أن صور المَشاهد في السينما قد لا توفر وصولاً فوريًا إلى الواقع؛ لاستخدامها فكرة تحويل التمثيل التصويري للمشاهد إلى قطع أدبية تتكون من رموز وإشارات وأيقونات تراثية تؤدي الدور المركزي في الفيلم. فيصبح تصوير الفيلم بعينه رمزًا لتوظيف الفن التجريدي، وآخر لفن أسطوري، وغيره لفن سريالي. ويمكن ملاحظة تلك الفنون الثلاثة في ثلاثة أفلام نوعية لاقت استحسانًا في المهرجانات المحلية والعالمية وكذلك عند النقاد؛ لعمق البُنية التصويرية السينمائية في تلك الأعمال، وهي:
تشهد النصوص الثلاثة المذكورة آنفًا على نهوض التصوير السينمائي كأداة للإتقان البصري وفهم الذات. وبذلك يصبح الوسيط البصري نموذجًا لقوة الذات في المجتمع الحديث. ولعل عرض تلك الأفلام يجمع بين أنماط مختلفة من الأعمال، لكنها تتعالق وتتشابك بعضها مع بعض في فكرة قوة العرض البصري سينمائيًا، ونوعيته الفنية واقعيًا، وتاريخيًا، وأسطوريًا، وتجريديًا، وسرياليًا. وجميعها التفت حول صناعة المحلية في السينما السعودية، بل وجميعها قدم البُنية السينمائية للأعمال بأدوات ذات إخراج فني نوعي. فعلى سبيل المثال، يمكن ملاحظة:
فيلم نور «وجوه محرمة» يظهر الاهتمام بالغًا بالصورة الدرامية، لا سيما أنها مشكلة الفيلم الذي يروي قصة الطفلة نور التي تعشق الرسم، وتتعرض لتحديات استمرارها في أدائه إلى أن تغلبت عليه نهاية الفيلم وأصبحت عندما كبرت قادرة على تحويل مخاوفها إلى لوحات تشكيلية إبداعية تقدم الروح الشاعرية بين الواقع وتجريدها.
فيلم الخطابة يعد فيلمًا نوعيًا في تقديم صور الرعب والتشويق لموضوع الخطابة الذي يحضر في مكان تراثي في المملكة العربية السعودية: العُلا. فالفيلم يُثري المشاهدين في طرح أبعاد المكان تراثيًا، وأسطوريًا، وروحيًا، وكذلك امتدت فيه الصورة التشويقية إلى فنية الرعب مع تقنية الصور النارية والاحتراق التي تتناسب مع الأجواء الترابية مع مقاربة الرؤية الإخراجية بلقطات مميزة عن العالم الساحر في العُلا، وما فيها من مشاهد فاتنة مؤثرة.
فيلم أغنية الغراب يقدم صورًا ذات أسلوب تجريدي لشخصية البطل مع تحريك تلك الصورة في أحداث سريالية غرائبية، يجد فيها الباحث سيد محمود، أن المُخرج استخدم الكوميديا السوداء كقالب لفكرته، حيث تتفاعل كل صراعات البطل في قلبه وعقله معًا مع حيرته تجاه السؤال الأبدي: هل يمكن أن تُشغلنا أغاني الحب وتباعدنا عن الانشغال بفكرة الموت!
وعودة لرؤية كافكا عن إمكانية التصوير في إمداد البنية السينمائية في الأعمال قوةً بصرية، فيمكن تأطير فكرته أن الأعمال السينمائية تشكل تلك البُنية الفنية لتلك القوة بوصف البُنية كما عبر عنها ديلوز، أنها حقيقية دون أن تكون واقعية، ومثالية (أو عقلية) دون أن تكون مجردة. فالجانب الحقيقي يظهر في عنصر المحلية، والجانب المثالي يظهر في تلك القوة البصرية. وكلاهما قدم تلك الأعمال المذكورة للعالم كهُوية نوعية جادة الطرح في السينما السعودية.