سوليوود «الرياض»
ضوء نيون أخضر وردي يسقط فوق الشارع الجانبي المظلم، وباب معدني يسد الطريق المؤدي إلى الفناء الداخلي المضيء، ذلك الفناء الذي يشير من خلال تماثيله وتراكيبه إلى أن هذا البيت الواقع في العاصمة السعودية الرياض والذي يبدو عاديا من الوهلة الأولى، ليس عاديا. وذلك كما ورد في موقع قنطرة.
داخل الفناء مسجد مبني من الأسلاك، يلقي بضوئه النيون عبر سور العقار، نحو الخارج. ليس هناك لافتة على الجرس وليس هناك رقم للمنزل. بسروال فضفاض و قدمين حافيتين و حلقتين مظلمتين حول العين، جلس الرجل الذي تباع أعماله في المزادات بمئات الآلاف من الدولارات، جلس وسط فوضى يبدو أنها مرتبة.
أسندت أرفف مليئة بالكتب حتى السقف، إلى الجدار. وبين الجدران والرفوف هناك رسوم و صور لمشاريع “إنه مكان للتفكير”، حسب عبد الناصر غارم، “ننتج أعمالنا الفنية ونعرضها في الخارج، ولكننا نستطيع التفكير بحرية هنا”.
يعتبر غارم أحد أشهر فناني السعودية ومنطقة الخليج المعاصرين. بيع أحد أعمال غارم الفنية خلال مزاد عام 2011 في دبي بـ 842 ألف دولار، وتسبب هذا العمل في شهرة غارم، الذي قال إنه أنفق هذا المبلغ على تدريب شباب الفنانين السعوديين “فليس هنا تدريب فني صحيح”، بحسب غارم، الذي أشار خلال ذلك للكتب الموجودة على الرفوف، مضيفا: “جميع هذه الكتب غير موجودة هنا في السعودية، عندما تذهب لمكتبة هنا لا تجد سوى كتب دينية”.
لا يتوقف الفنان السعودي عن الإشارة للفيلسوفين الألماني يورغين هابيرماس، والهولندي باروخ سبينوزا. كانت هناك صورة بحجم كبير معلقة على الحائط خلف غارم، إنها صورة لطائرة مقاتلة موضوعة داخل حُلي عربي تقليدي.
يصنع غارم، الذي خدم نحو 25 عاما في الجيش السعودي، لوحة العرض بنفسه من الأختام، التي تعتبر عن وسائل السلطة في السيطرة والبيروقراطية، حسبما يسميها الفنان السعودي.
يقوم غارم بتقطيع حروف آلاف علب الأختام ويركبها من جديد على شكل لوحات عرض بعضها بارتفاع متر، ثم يقوم بطباعتها. وعند تدقيق النظر في هذه الصور يتبين أنها تحتوي على رسائل.
قبل خمس سنوات أسس الفنان السعودي البالغ من العمر 45 عاما “استوديو غارم”، وهو بيت منخفض له فناء و به العديد من غرف العمل، أراد من خلاله إنشاء مكان للفنانين الشبان الذين لديهم أفكار جديدة، ولم يحصلوا على فرصة، ولا يمتلكون بنية تحتية، لتنفيذ هذه الأفكار. خصص غارم يوما لفناني الموسيقى ويوما آخر لمصممي الأزياء.
تعيش السعودية عصر تحول، حيث يسعى ولي العهد السعودي في إطار “رؤية 2030” لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع في السعودية. لا تقتصر هذه الرؤية على مجرد إنهاء اعتماد المملكة، الشديدة التمسك بالتقاليد القديمة، على النفط، بل تتجاوز ذلك لمزيد من الانفتاح، وذلك لأن الضغط المجتمعي شديد، حيث إن قرابة 70% من سكان المملكة من الشباب دون 35 عاما.
نشأ الجيل الشاب في وطن بلا دور سينما عامة، ولم يسمح بدور السينما في السعودية سوى العام الماضي 2018. تسعى المملكة لتقديم شيء لشبابها، وأعلنت في سبيل ذلك عزمها استثمار 64 مليار دولار العام المقبل في الفن والترفيه.
ويعتزم معهد الفن الذي أنشأته مؤخرا مؤسسة “مسك” التابعة لولي العهد السعودي، من خلال ذلك توفير منصة لشباب الفنانين ودعمهم من خلال توفير منح وتدريب فني لهم وإشراكهم في مئات البرامج، وذلك لأنه ليس في السعودية حتى الآن وسط فني سوى ذلك الموجود بالفعل في مدينة جدة على البحر الأحمر، وهي المدينة المعروفة بانفتاحها، أو تلك المجموعة الفنية الصغيرة التي شكلها عبد الناصر غارم.
ورغم ذلك فإن الفنان السعودي يرى أن معهد الفن الملكي يمثل فرصة جيدة خاصة لشباب الفنانين. يحرص غارم على وزن أفكاره و آرائه بعناية، ويرى غارم أن رؤية ولي العهد تتضمن الكثير من الجوانب الإيجابية، ويقول إنه يتفهم السبب وراء وقوف الشباب في السعودية خلف ولي العهد السعودي الذي يتعرض حاليا لموجة نقد شديدة على الصعيد الدولي، “ولكن ما يزعجني هو تلك القومية الصاعدة”. فكلما كثر النقد القادم من الخارج، كلما تماسكت الصفوف في الداخل، بحسب ما يرى الفنان.
يقول شاويش، الذي يجلس أمام الحاسوب في الغرفة المجاورة باحثا عن أفكار جديدة: “إنه زمن الأبطال”. أصوات موسيقى هيب هوب صادرة في هذه الأثناء عن مكبرات الصوت الصغيرة. شاويش هو واحد من 11 فنانا يعملون بشكل دائم مع غارم في الاستوديو الخاص به. يبدو شاويش (28 عاما) بضفيرته الرجالية المرتفعة وكأنه أحد محبي موسيقى الجاز في برلين.
قرر غارم ممارسة نفوذ بعيد المدى من خلال هذا الاستوديو على تشكيل المجتمع السعودي، حيث يعتزم بشكل خاص أن يقدم بديلا عن الأفكار الأصولية والمحافظة، يريد أن يبدأ الناس بأنفسهم في التفكير.