إيمان محمد
رغم الإعاقات والعقبات الاجتماعية والأيديولوجية التي مرت على مسار السينما في السعودية خلال الأربعين سنة الماضية بجعلها في حالة من التذبذب ما بين تقدم وتراجع، فإنها استطاعت اليوم تجاوز تلك الحواجز وتكوين قائمة أفلام سعودية تتصاعد أعدادها سنويًا عامًا بعد عام. أتت هذه القائمة بعد جهود مثمرة ودعم مستمر بدأ مع احتضان وزارة الثقافة للسينما، وإنشاء هيئات مختصة بالأفلام والمسرح والموسيقى وغيرها من الفنون، تعتمد خططًا واضحة وسط بيئة عمل منهجية وميزانية تدعم هذا القطاع المتنامي في المملكة.
لم يأتِ هذا الاهتمام لأجل أهداف اقتصادية فقط، بل أتى لأهمية السينما في كونها قوة ناعمة تؤثر في الرأي والجمهور بشكل عام وفي التطبيع بالقيم التي تريد نشرها وتحديثها بين فترة وأخرى، ومهمة أيضًا في الترويج لثقافة شعب له هوية مميزة يسعى لتعزيزها وتأصيلها من خلال سينما خاصة به تستوعب همومه ومشاكله وحكاياه. ومن جانبٍ آخر، أتى هذا الاهتمام أيضًا من أجل تحسين حياة الفرد ورفع مستوى جودة حياته التي تعززها برامج الترفيه والثقافة والفنون ما أحدث تغييرًا كبيرًا في حياة السعوديين بعد افتتاح صالات السينما وانتشارها في كل مدن المملكة، وأدى إيجابيًا إلى صناعة البهجة والسعادة كمردود صحي، يرفع من مستوى «الرفاهية» التي أصبحت اليوم تتدخل في تغذية وتشكيل روح الإنسان ورضاه عن ذاته، وهذا بدوره يرفع أيضًا اقتصاديات السعادة التي تُبنى على درجة رفاهية السكان.
وبما أننا ذكرنا أزمة الاختطاف التي مرت بالسينما في السعودية والتي نتج عنها أزمة مكانة يبحث عنها صناع هذا الفن، رغبة منهم في إيجاد حراك وتأثير ملحوظ وواضح لأعمالهم، يصاحبه أيضًا انتشار لمنتجاتهم في خطوات تسريعية تقلص الفارق الزمني الذي أصابها؛ أرى أن إنشاء مراكز «مسرعات أعمال» سينمائية تعمل على احتضان واكتشاف هواة جدد سواء في التمثيل أو الإخراج أو الكتابة، وإلحاقهم بكورس تدريبي في أكثر من منطقة؛ سيساهم إلى حد ما في إمداد هذه الصناعة بكفاءات جيدة. كما أن تأسيس حقائب فنية من متخصصين في هذا المجال للتدريب في أنشطة قطاع التعليم بما يكون مجموعات في التمثيل والأداء والكتابة والتصوير، ربما يساهم في تقليص الفارق الزمني في مدة أقصر، خاصة أن منطقة الجزيرة العربية سابقًا كانت زاخرة بأحداث وروايات كثيرة لم تُروَ، ولاحقًا بأحداث تاريخية وسياسية واجتماعية تستحق أن تُروى؛ هذا إذا افترضنا أن السينما السعودية تفتقر إلى وجود «النص» الذي لم نصل بعد – في رأيي – إلى هذه المرحلة، فإننا في قادم الأيام سنذهل العالم بقصص وآثار تاريخية وأماكن سياحية لم تُرَ من قبل.