إيمان محمد
دائمًا ما يبحث صناع السينما عن مادة مثيرة لاهتمام المشاهد، وقادهم هذا الشغف إلى تسليط الضوء على العديد من المواضيع حتى وصل بهم الحال إلى تصنيف السيناريو المكتوب إلى قصص رعب وكوميديا ودراما وإثارة ورومانسية ونفسية وتاريخية وحربية وغيرها من التصنيفات.
وبما أن اليوم هو 10 من أكتوبر حيث يصادف اليوم العالمي للصحة النفسية، سنسلط الضوء على المحتوى النفسي في السينما العربية، السينما بالمجمل وبجميع ما تقدمه من قصص متنوعة قادرة على تغيير الحالة المزاجية وتبديد الملل والاكتئاب، بصرف النظر عن الموضوع الذي تناقشه نفسيًا كان أم رومانسيًا. والمحتوى العربي كان له دور ملموس في تعزيز الوعي بالصحة النفسية من خلال مناقشته لها بجدية أو بكوميدية كما حدث في بعض الأفلام كفيلم «إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين» الذي عايش فيه المشاهد الحالة المرضية بشيء من الكوميديا والسخرية إن صح القول، ليجعل من الفيلم مادة ترفيهية فقط.
قدمت السينما أيضًا فيلم «السراب» الذي جسد فيه البطل الواقع الأليم لـ«عقدة أوديب»، العقدة التي تظهر على الذكر الذي يتعلق بوالدته. يستمد المرض اسمه من الأسطورة الإغريقية لقصة أحد الملوك الذي تنبأ له العراف بأنه سينجب ابنًا وأنه سيُقتل على يد ابنه فيما بعد ويتزوج من أمه، ما جعله يصدق نبوءة العراف ويتخلص من ابنه بدق مسامير في أقدامه ورميه من أعلى الجبل. إلا أن الابن عاش في كنف ملك آخر وعاد يبحث عن والده، وفي الطريق صادف رجلًا تشاجر معه وقتله وكان هذا الرجل والده وهو لا يعلم. وعاد إلى البلدة التي ولد فيها وتزوج من امرأة اتضح أيضًا أنها بالأصل والدته إلى آخر الرواية التي انحدر منها اسم العقدة «أوديب». كتبت القصة في قوالب كثيرة أحدها قصة «السراب» للأديب نجيب محفوظ، التي أجدها – في رأيي – التقاطة مهمة ومشوقة لمادة أعطت جرعة وعي مهمة عن النمو النفسي الجنسي في مراحل الطفولة من وجهة نظر فرويد.
قدمت السينما العربية أيضًا رواية «شمس امبابة» في فيلم «شمس» للكاتب السعودي طلال الطريفي، الذي قدم حالة الانفصام التي تأتي ما بعد الصدمة.
كذلك قدمت السينما العربية فيلم «خلي بالك من عقلك»، الذي تناول تعاطي الشريحة غير الواعية بالصحة النفسية في مجتمعاتنا العربية مع المريض النفسي، ودورها في تصعيد حالته المرضية وتدهورها للأسوأ باستغلال ظروفها أو الطمع فيها. تناسبت أحداث الفيلم مع الموسيقى التصويرية التي ألفها الموسيقار عمر خيرت للإبحار في تموجات النغمات ما بين الهدوء والأمل في آونة، والاحتداد كموجة عاصفة بشدة وصخب تلامس الإحساس والضمير في آونة أخرى، باعتبار أن الرياح هي الأحداث المحركة لكل هذا الإبداع، كما تلاعبت الأحداث صعودًا ونزولاً في إخراجه.
غذت السينما العربية أيضًا وعي الجمهور بفيلم «بئر الحرمان» لإحسان عبدالقدوس، الذي رسم شخصية مريض اضطراب الهوية التفارقي لفتاة تعاني من وجود شخصيتين منفصلتين؛ شخصية طبيعية تظهر في النهار تعاني من النسيان، وشخصية مختلفة لا تظهر إلا في المساء. وتناول الفيلم العقدة المسببة لظهور مثل هذا المرض.
وسلطت السينما أيضًا الضوء في فيلم «أين عقلي» على العقد الاجتماعية التي تتركها العادات والتقاليد المتخلفة بداخل الشخص المتحضر حديثًا في المجتمعات المتطورة المغايرة لنشأته.
إضافة إلى ما سبق، يأتي أيضًا فيلم «آسف على الإزعاج» على قدر من الأهمية في تشكيل الوعي حول مرض الانفصام الذي عايشنا بتفاصيله الدقيقة أعراض المرض بتعاطف العقل لا بشفقة القلب. وبما أن للسينما دورًا يحاذي مهمة التثقيف، فهي تعتبر مسؤولة فيما تقدمه من تصحيح للمفاهيم، أو تعزيز للجهل بخصوص المادة العلمية التي تقدمها، وخلط الأمراض النفسية بقصص الجن والالتباس كما تفعل بعض الأفلام بلا احترام لمهنيتها وتؤثر بشكل سلبي في وعي الجماهير.