إيمان الخطاف
لم يكن مفاجئًا اختيار فيلم «فوي فوي فوي» لتمثيل مصر في جوائز «الأوسكار» للعام المقبل 2024، لأن الخلطة السينمائية اللذيذة التي صنعها المخرج عمر هلال جعلت الفيلم «أوسكاريًا» إلى درجة كبيرة.. وما دام الفيلم يعرض في صالات السينما، فإن حضوره ضرورة لكل عشاق الفن السابع، وذلك لخمسة أسباب:
الفيلم ينطلق من قصة حقيقية، وهذا بحد ذاته كافٍ لتشويق الجمهور المتعطش لمعرفة خبايا القصص التي حدثت، وفي حالة «فوي فوي فوي» فإن القصة الحقيقية تحمل مزيجًا من الكوميديا والمغامرة والسبق الصحفي، بمعنى أنها تكشف حدثًا غير اعتيادي حصل على أرض الواقع، مما يجعل الجمهور يتساءل: كيف حدث ذلك؟ لماذا حدث؟ وما دوافع أولئك المقاتلين لأجل الهجرة والهرب من الواقع؟
شخصيات الفيلم كلها رمادية، فلا يوجد أبيض أو أسود، ولا شر محض أو خير مطلق، فكل الشخصيات تتأرجح ما بين الخير والشر، وهي رؤية ناضجة تتماشى مع الطبيعة البشرية، مما يجعل المشاهد يتعاطف مع الجميع ويتفهم مبررات كل فرد، من منطلق أن لكل إنسان نقطة ضعف ولحظة مصيرية يتنازل فيها عن مبادئه وقيمه وكل شيء.
في «فوي فوي فوي»، نجد أن الكل قرر السكوت عن كشف الحقيقة، بداية من الأب والمربي الفاضل، مرورًا بالصحفية المجتهدة، ووصولاً إلى بقية الأفراد الذين يفترض أن يكونوا الوجه الأصلح في المجتمع.. لكن لا ملائكة في الفيلم ولا شياطين، بل نوازع بشرية متضاربة تسير وفق بوصلة المصالح.
الفيلم ممتلئ بالمشاهد «اللامتوقعة» وهذا أمر نادر الحدوث في الأفلام، فبالعادة يُصدم المشاهد مرة إلى مرتين أو ثلاثة على الأكثر، لكن في «فوي فوي فوي» تتوالى اللحظات الصادمة، وفي كل مرة يكتشف المشاهد أنه «انضحك عليه” في شخص ما، من ذلك: رد فعل بيومي فؤاد «المدرب» مع محمد فراج «حسن»، وصدمة اكتشاف حقيقة الدكتور، وصدمة اللاعبين المبصرين، وصدمة اللاعب الكفيف الذي تعاطف معه الفريق، وغيرها.. ولم تكن هذه المواقف مفتعلة ومقحمة بطريقة فجة، بل ظل السرد القصصي للفيلم متصاعدًا ومتماسكًا.
الفيلم ممتلئ بالوجوه الجديدة وغير المستهلكة، وهذا يعني أن المشاهد سيرى وجوهًا لم يعتدها ولم يمل منها، وهم نجوم في هذا العمل، مثل أمجد الحجار وطه دسوقي اللذين قدما توليفة كوميدية لذيذة جدًا مع محمد فراج، وكذلك لاعبو الفريق الشبان، مما أعطى الفيلم جوًا شبابيًا حيويًا، وإيقاعًا سريعًا في المواقف والتعابير والجمل.
نهاية «فوي فوي فوي» لا تنتصر للخير، ولا ترسم مشهدًا حالمًا، ولا تتضمن القبض على الأشرار والمفسدين، مما يجعل الفيلم يشق طريقه بقوة في سينما الواقع، على عكس الكثير من الأفلام العربية التي تحاكي قصص الأطفال في النهايات السعيدة بهدف دغدغة عواطف الجمهور وإرضاء رغبتهم بإنصاف الحق وإيقاع العقوبة بالمخطئ.. هذه الرؤية التقليدية يتبرأ منها «فوي فوي فوي”، ولأنه من الصعب حرق نهاية الفيلم، فيكفي القول إن العمل ظل واقعيًا إلى نهايته.
وكعادة كل عمل سينمائي، فهناك بعض العثرات والنواقص، إلا أن نقاط قوة «فوي فوي فوي» تفوق نقاط ضعفه. ولعل أسوأ ما في الفيلم هي قصة الحب غير المنطقية التي جمعت ما بين محمد فراج ونيللي كريم، فلم تكن مقنعة على الإطلاق، ولم نعلم متى بدأت وكيف حدثت وعلى ماذا انتهت. وربما يعيب الكثير من الأفلام العربية محاولة إقحام قصص الحب في أي عمل كان، إلا أن هذا لم يؤثر بدرجة كبيرة على الفيلم الذي يكاد يكون من أكثر الأفلام العربية تميزًا لهذا العام.