تركي صالح
تعدُّ قضية الطبع والتكلف أو الصنعة من القضايا النقدية التي حظيت باهتمام الفكر الإنساني؛ لتعلقها بمفهوم الفن وصناعته. كما أن النقاد مع اتفاقهم على أهمية الطبع، إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في أهمية الصنعة والتصنع في العملية الإبداعية.
هذه تقدمة عجلى للدخول في موضوع المقال الذي نناقش فيه قضية فنية طالما أسالت الحبر وملأت ساعات البث وأشغلت خصومًا من كل طرف.
ومن نافلة القول أن نعرج على تعريف الممثل، الذي مثلما يعبر عن إضاءة للفكرة، فإن اختيار تعريف معين يمثل اختيار وجهة نظر حول القضية وموقف منها. فلو قلنا إن التمثيل هو التجسيد، فإننا نقف في صف الممثل الأداة، ولو قلنا إن التمثيل هو لعب الدور، فنحن نميل للمثل الأكثر وعيًا بدوره. وهذا الاختلاف في التعريف ناتج من فهم دور الممثل من ناحية كونه ناسخًا للشخصية أم خلاقًا لها. ذلك اختصار اعتمدناه دون مرور ونقول عن دارسي الفن الدرامي ونقاده، وهو ما نرى أن يفيد الفكرة التي نهدف الإضاءة عليها.
مثل كل الفنون والصناعات في تاريخ البشرية بدأت الدراما عبر مسيرة من الأعمال التي ابتكر صناعها أساليبهم وتجاربهم دون تأطير ولا دراسة ولا خرائط طريق، فكان الكتاب يكتبون والممثلون يؤدون والأعمال تعرض ارتجالاً، وربما إعداد بسيط يعتمد على التجارب والأفكار الخلاقة، ومثل غيرها من الفنون بدأت التجارب تتراكم والخبرات تتكون والأبحاث تخرج إلى النور والأجيال تتعاقب لتكون بعد زمن ليس بالقصير علمًا يسمَّى الدراما، وفروعًا منها الأداء «التمثيل»، وصاحب مهنة يطلق عليه الممثل.
من هذا المنطلق، ظهرت في عصرنا الحاضر الأكاديميات التي تعلم أساسيات فن التمثيل وتصقل الموهوبين وراغبي الانخراط في العمل الفني بشكل احترافي علمي أو أكاديمي منظم.
ودور الممثل في العمل الدرامي تطور تاريخيًا بداية من الممثل الذي ظهر في الطقوس الدينية متقمصًا أدوارًا فوق بشرية، إلى الممثل الذي تنازل عن دوره لصالح سطوة المخرج وديكتاتوريته. وبين هذا وذاك تتباين الصور والتجارب وتختلف الآراء حول أهمية الممثل في العمل ومدى قدرته على طبع البصمة الخاصة به.
لا شك أن الموهبة هي أساس الإبداع، وهي اللبنة الأولى التي يمكن البناء عليها لتقديم أي مبدع في كل المجالات (شاعر، كاتب، لاعب، مخرج، ممثل، …)، لكنها كذلك ليست كفاية لصنع ممثل قوي وناجح وقادر على لعب أدوار مختلفة وشخصيات متعددة. لذلك، فإن دراسة الفن والتعرف على تاريخه ومراحله وأنواعه ومدارسه وأساليبه وتقنياته، هي السبيل الوحيد لصناعة ممثلين في مستوى الصناعة، وتقديم أعمال جادة تأخذ بالدراما إلى مستويات تحقق طموح صناعها ثقافيًا وتجاريًا.