محمد عبدالله الأنصاري
وجود السوشيال ميديا في حياتنا الآن لها جوانب إيجابية لا تخفى على أحد، يوازيها في الضفة الأخرى الجوانب السلبية على عالم الأفلام وأرقامها «Box Office». قبل ظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي كان اختيار الفيلم المناسب يعتمد على عوامل تفضيلية عديدة، من ضمنها الاطلاع على أخبار المخرجين، ومدى شهرة الممثلين، كذلك الاستديوهات الكبيرة والإنتاجات الضخمة في السنة، وفي أفضل الأحوال الاعتماد على التجربة السينمائية بشكل أساسي، والذهاب لدور السينما ومشاهدة فيلم بكل عفوية، والمراهنة على تقييم الأفلام في المنصات المعتمدة «Rotten tomato». ولكن الآن لا يقتصر اختيار الأفلام على الذائقة فحسب، على النقيض تمامًا، اختيار الأفلام الآن؛ قائم على محاولات لمجاراة الواقع الافتراضي، والفوز في سباق أول مشاهدي الفيلم بكل سطحية، ووضع تقييم له على منصات التواصل. في هذه السنة تجاوزت إيرادات فيلم باربي للمخرجة غريتا جيرويج 1.346.484.254 دولار على مستوى العالم وفقًا لـ«Box Office Mojo»، وتعود تبعات هذا الرقم الضخم لفيلم تجاري ليس فريدًا ولا مختلفًا عن إنتاجات هوليوود الأخرى، إلى جمهور الترند العالمي على منصات التواصل الاجتماعي التي رسمت آراؤهم ملامح الفيلم قبل موعد عرضه بأشهر عديدة، بالإضافة إلى تزامن عرض الفيلم في صالات السينما مع فيلم «Oppenheimer» الذي بدوره وجد نصيبه من متفرجي الترند على وسائل التواصل.
تمر السينما الآن بمرحلة ضبابية بعض الشيء، نظرًا لتكاثر الآراء المثيرة للجدل حول الأفلام غير التجارية، وأيضًا تزاحم رحلات القادمين من بوابة الترند لمشاهدة الأفلام والمسلسلات دون الاستمتاع بالتجربة التي تختلف من منظور شخص لآخر كما هو حال المسلسلات التلفزيونية والأفلام منذ الأزل.. يعود أساس فكرة المشاهد القادم لإثبات مواكبته للأحداث هو تسجيل حضوره على الساحة وإثبات ذلك عبر تطبيقات التواصل، ثم التقييم طبعًا.. يتكرر مشهد الجماهير المحبَطة والغاضبة التي تخرج من دور عرض السينما الآن أثناء عرض الفيلم، كما يتكرر وجود أفلام ومسلسلات غريبة في ترند «Top 10» على منصة «نيتفليكس» رغم وضوح مستواها السيئ. يعود هذا امتدادًا لتأثير الترند في وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام، وتقبل الأغلبية لحقيقة أن ما يشاهدونه وما يصطفُ في قائمة إعجابهم، مرتبط وبشكل مباشر بما يحدث في العالم .الافتراضي الآن
لا يختلف اثنان أن للمشاهد الحق في التعبير عن رأيه، كما لا يحق له التعميم وخلق صورة نمطية تظلم المحتوى، بعدما سيّرته الآراء الافتراضية ووضعت سقفًا لتوقعات لم يصل إليها المحتوى الذي يشاهده. ولكن لا شيء يضاهي متعة المصادفة والعثور على فيلم أو مسلسل يعبر عما في داخلنا وذواتنا. وسائل التواصل الاجتماعي وما تحتوي عليه من “ترند”، سهلت مهمة تقفي آثار المحتوى الجيد، ووفرت لنا أسلحة دمار شامل تهدد العالم السينمائي.