إيمان محمد
بعض الأفلام لا تكفيها مشاهدة واحدة، لأننا في كل إعادة نراها بمنظور مختلف. وكلما تكررت مشاهدتها تجَّلت جمالياتها الفنية من تصوير وموسيقى وصوت وديكور وغيرها من الأدوات التي يتم توظيفها لحبك قصة الفيلم وإثرائه، خاصة عندما يكون الفيلم ثريًا بتفاصيله الفنية الدقيقة وتقنياته الإخراجية، أو حتى في أدق التفاصيل التي يستخدمها المخرج لحبك القصة وإخراج الصورة وإقناع المشاهد برؤيته.
ومن بين الأفلام التي عرضتها دور السينما في الفترة الأخيرة، وما زال تحت العرض، وبتكرار مشاهدات مرتفعة في صالات السينما السعودية لأكثر من مرة؛ يأتي فيلم السيرة الذاتية «أوبنهايمر» الذي يتميز بتفاصيله الفنية الدقيقة للمخرج كريستوفر نولان، ويحتل المركز الرابع عالميًا في إيراداته في شباك التذاكر.
يحكي بعض تفاصيل الفيلم الفنية عن الجانب النفسي الذي شخصه المخرج بتكرار لوحة الفنان بيكاسو في لقطات متكررة للفيلم عن انقسام الذات كإسقاط للحالة التي مر بها عالم الفيزياء النظرية «أوبنهايمر» بعد أن وصل إلى ذروة جنونه الفكري في الجملة المقتبسة «أنا الموت مدمر العوالم».
ثم انقسامه على نفسه ما بين الندم والانتصار، وما بين الضحك والبكاء، بصورة استعان فيها المخرج في أكثر من لقطة بلوحة الفنان الإسباني بيكاسو «الانقسام على الذات» باقتباس فني جميل أضاف معنى وبعدًا آخر للمشهد من دون أن يكتب جملة حوار أو يستعين بممثلين لتوصيل رسالته.
كرر المخرج انطباع اللوحة في ذهنه على انقسام الضوء المنعكس على شخصية «أوبنهايمر» في الفيلم إلى نصفين أيضًا في لقطة التفجير ما بين اللونين البارد والدافئ في صورة تحاكي اللوحة المرسومة لبيكاسو وتعكس تأثر «أوبنهايمر» بالفن والرسم تحديدًا في صغره، كخلفية ثقافية تركت أثرًا في شخصيته وإن تجلى بالندم.
ومن الأفلام التي عرضت، مؤخرًا، في صالات السينما، وما زال عرضه مستمرًا، فيلم الرعب Talk to Me»» الأسترالي للفئة العمرية 18 بجوانبه الفنية الدقيقة، لقصة وإن كانت تبدو مبالغًا فيها لحد الضحك بدلاً من الرعب، إلا أنها صورت وجسدت انفصام الشخصية والوساوس والحالة النفسية لما بعد الصدمة وعدم تقبل الواقع. القصة مبهمة تناسب فضول فئة عمرية قد يصعب عليها الفصل بين الواقع والخيال وبين التوقف والاستمرار. القصة – وإن كانت مكررة – لكن الجوانب الفنية التي قلصت جمل الحوار واستبدلتها بمؤثرات سمعية وبصرية، تشفع لتكرار القصة وتدفع لمشاهدة الفيلم لأكثر من مرة.