عبدالرحمن جراش
نجد أنفسنا غالبًا نتعامل مع أسئلة أخلاقية معقدة تتعلق بتصوير الشخصيات الشريرة في الأفلام والمسلسلات. عند مشاهدتنا للأفلام نغوص في أذهان الشخصيات السيئة أو الإجرامية، وتثار اعتراضات تنتقد إظهارها، وتتهم الفيلم بأنه تمجيد لأفعالهم الشريرة.
من المهم أن ندرك أن الفنان يتحمل مسؤوليات أخلاقية تجاه الجمهور، تمامًا كما يتحمل الجمهور مسؤولية تفسير العمل بحساسية وتفكير نقدي.
فيلم «أوبنهايمر» الذي أثار جدلاً حادًا، يتهمه البعض أنه يبرر أفعال أوبنهايمر الشيطانية، وأنها محاولة لاستدراج المشاهد عاطفيًا.
«أوبنهايمر نفسه يمثل الجانبين. هو يشعر بالذنب وهو نفسه يبرر الكارثة. لأن الفيلم هو فيلم شخصية فالحياد هو التعمق في هذه المفارقة». نواف الحوشان
أعتقد أن نولان نجح في طرح تلك الأفعال في سياق الأحداث التاريخية. وتهدف الطريقة المعتمدة في الفيلم على تصوير تطورات الشخصية لاستكشاف التعقيدات النفسية، ومواجهة غموض طبيعة الإنسان وتناقضاته.
يجب أن نميز بين طرح الدوافع النفسية لقرارات البطل، وبين تأييد أو تبرير تلك الأفعال. أعتقد أن دور الفنان يتضمن استكشافًا لنفسية الإنسان الطيبة والشريرة على حدٍّ سواء، وتداخل المشاعر المتناقضة والواقع، بدلًا من تقديم محاكمة أخلاقية.
فيما يتعلق بالمسؤولية الأخلاقية للفنان، فإن العمل الفني هو مكان يمكن فيه استكشاف الأفكار المثيرة للجدل، وحتى المسيئة. في الأعمال الخيالية، يمتلك الفنان حرية الاستقصاء في السيناريوهات ذات الأخلاقية المبهمة، والتعقيدات النفسية التي تتحدى الجمهور للتفكير في طبيعة الإنسان والقضايا الاجتماعية.
ومع ذلك، فإن المسافة بين الاستكشاف الفني لنفس البشرية أو التمجيد العشوائي للشر هو خيط رفيع للغاية، وربَّما هذا ما يتسبب في الآراء المضادة لهذا النوع من الشخصيات؛ مما يتطلب من صنَّاع الأفلام ممارسة الحساسية، والتأني عند تقديم أعمالهم.
كمشاهدين، يجب أن نقترب من هذه الأفلام بتمحيص نقدي وقراءة متعمقه لجميع السياقات، مدركين أنها تهدف إلى تحفيز التفكير بدلًا من فرض رمز أخلاقي محدد. وبالتالي، من الخطأ أن نعمم أن جميع الأعمال التي تتعاطى في حبكتها شخصيات شريرة، هي بالضرورة تقدم تبريرات لأفعال الشخصية.
لا أقلل من مدى التحدي الذي يواجه هذا النوع من الأفلام، غير أن التعقيد يكمن في تنوع الخلفيات والمعتقدات لدى الجمهور. من دون شك أن عملًا فنيًا قد يستهوي أحد المشاهدين، ويكون مُربكًا جدًا بالنسبة لآخر؛ بسبب الاختلافات في المنظورات الدينية والعرقية والثقافية.
تاريخيًا، تحملت الفنون مسؤولية أن تكون دليلًا أخلاقيًا، أو أداة تعليمية وتوجيهية تحافظ على قيم معينة. ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه النظرة تقيد الدافع الإبداعي، وتحد من إمكانية استكشاف المزيد من الثيمات المعقدة والشخصيات؛ بدلًا من المطالبة بأن يتوافق الفن مع معايير أخلاقية محددة.
في النهاية، تحفزنا الأفلام التي تصور الشخصيات الشريرة لمواجهة الظلال الرمادية التي توجد داخل طبيعية الإنسان، وتحفزنا على المشاركة في مناقشات معمقة من خلال الانغماس في دوافع وتعقيدات الشخصيات.
تكمن قوة السينما في تحفيز التأمل والتناول الجريء للموضوعات الحساسة، وتعزيز الحوار المفتوح حول الحالة الإنسانية.