سوليوود «خاص»
تجاوزت إيرادات الفيلم 600 مليون دولار في شباك التذاكر العالمي؛ ليصبح بذلك أعلى فيلم حرب عالمي ثانٍ تحقيقًا للإيرادات. ومع النجاح الضخم الذي حققه فيلم الدراما والسيرة الذاتية، أثيرت العديد من التساؤلات حول ما إذا كان سيتم منع عرض الفيلم في اليابان؛ وذلك نظرًا لقصة الفيلم التي تتمحور حول صنع القنبلة الذرية منذ بدايتها حتى استخدامها كقوة تدميرية، وبالأخص القصف الذري الذي شنته الولايات المتحدة الأميركية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان. وتزامن ذلك باحتفال اليابان بالذكرى الـ78 لهذه الكارثة النووية. إلى جانب الغضب العارم الذي اجتاح منصات التواصل اليابانية بسبب قصة الفيلم، وانتشار الوسوم الغاضبة التي عبرت عن هذا الاستياء.
تكهنات بمنع الفيلم في ثالث أكبر سوق للأفلام
في هذا الصدد، تشير بعض التكهنات التي نشرتها تقارير إعلامية عدة، إلى أن الفيلم قد لا يصل إلى الشاشة الكبيرة في اليابان، والتي تعدُّ ثالث أكبر سوق للأفلام بعد أميركا والصين. إذ أثارت أحداث الفيلم ضجة بين صفوف الشعب الياباني، وعلى صعيد الخبراء والنقَّاد المعنين؛ بسبب تركيز معظم أحداثه على وجهة نظر العالم، وليس على الدمار الذي تسببت فيه القنابل، وقتل حوالي 210.000 شخصًا في هيروشيما وناغازاكي، ولا يزال حوالي 113.000 شخص على قيد الحياة من الذين تعرضوا للإشعاع الناتج عن القصف.
استياء اليابانيين واعتذار الشركة المنتجة
بحسب تلك التكنهات، فإن العديد من اليابانيين يشعرون بالاستياء من الميمات الساخرة لـ«أوبنهايمر»، على منصات التواصل الاجتماعي التي تضع شخصيات مرحة من فيلم «Barbie»، الذي تم إصداره في نفس يوم «Oppenheimer» بجانب سُحب الفطر النووي. وبالرغم من أن شركة Warner Bros، الاستوديو الذي يقف وراء «Barbie»، اعتذرت عن إرسال رمز تعبيري للتقبيل في الميمة، موضحة أنها كانت “غير حساسة” تجاه تجاوزات نووية؛ لكن ابتكر المستخدمون وسم #NoBarbenheimer لانتقاد هذه المشاركات وجادلوا بأنها تتهاون بمعاناة البلاد.
هل ينذر الفيلم بحرب نووية جديدة؟
على جانب آخر، فهناك بعض اليابانيين يرغبون في طرح فيلم «Oppenheimer»، على الرغم من نقاط الضعف التي يراها البعض الآخر في اليابان. وترى تاناكا ميهو، وهي ناشطة معارضة للأسلحة النووية، أن الفيلم يوفر فرصة للناس في جميع أنحاء العالم للتفكير في تراث القصف؛ ما يعزز من قيمة المناشدات العالمية حول موضوع نزع السلاح النووي، وأنه أمر ملح وضروري في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا.
أمَّا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، فأكد في بيان تلاه في النصب التذكاري لهيروشيما للسلام، أن طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى. قائلاً: «اليابانيون يعرفون حقًا مدى رعب هذا الصوت».
خبراء: «الفيلم احتفل بصانع القنبلة الذرية»
كان قد عزا العديد من الخبراء والنقَّاد المعنين، الضجة التي أثاره الفيلم في اليابان، إلى صنَّاع العمل، الذين – بحسب وصفهم – لم يتعاملوا بشكل كامل مع الواقع المدمر للهجمات على هيروشيما وناغازاكي، وأكدوا أن الفيلم يحتفل بـ«والد القنبلة الذرية». وتقول كيكو تسوياما، الكاتبة السابقة في كيوتو نيوز، في تصريحات لها: «على الرغم من أن الفيلم يسرد ضيق روبرت أوبنهايمر وشعوره بالذنب، بسبب استخدام السلاح الذي ساهم في صنعه؛ فهو لا يظهر بشكل حقيقي ما حدث تحت سحابة الفطر. كما أن الأحداث أثارت انزعاجًا كبيرًا لبعض اليابانيين والأميركيين من أصل ياباني؛ إذ يرون تطوير أسلحة أودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص في عام 1945، يصبح جزءًا من ظاهرة ثقافية شعبية».
الوسوم تأجج الأزمة
ثم إن تفسير الخبراء للضجة التي سببها العمل في الأوساط اليابانية – بحسب التقارير الإعلامية – يعود جزء كبير منها إلى الصور التي انتشرت على منصات التواصل في اليابان، ومنها ما نُشر من قبل حساب باربي الياباني، الذي وصفها بأنها «مؤسفة للغاية»، ولا تأخذ في الاعتبار التاريخ الياباني. وشهدت الوسوم #NoBarbenheimer و#StopBarbieRelease انتشارًا واسعًا على منصة «X».
وبحسب نينا والاس، مديرة وسائل الإعلام والتواصل في دنشو، وهي منظمة توثق تجارب الأميركيين من أصل ياباني خلال حرب العالمية الثانية، فتقول: «إنها ليست مجرد تاريخ … هناك الكثير من ضحايا القصف واختبار القنبلة الذين لا يزالون على قيد الحياة ويعانون من عواقبه».
ووافقتها الرأي، يوكي مياموتو، أستاذة أخلاقيات الأسلحة النووية في جامعة ديبول، حين علقت على العمل قائلة: «لا أستطيع التفكير في أي إبادة جماعية أخرى تحظى بشعبية في ثقافة البوب وتُجسد بشكل ساخر. القنبلة أوجدت جيلاً من هيباكوشا أو الأشخاص الذين عانوا نتيجة للانفجار. العديد منهم لا يزالون يكافحون من جرَّاء الهجمات حتى اليوم، بما في ذلك مياموتو».
وتابعت: «أنا معارضة لاستخدام مصطلح ناجٍ؛ لأنك لا تعرف ما إذا كنت ستنجو فعليًا. توفِّي جدي بعد أسبوعين من الهجوم على هيروشيما بسبب مرض الإشعاع الحاد. بينما توفيت والدتي – التي كانت في سن الست السنوات أثناء القصف – بعد عقود من الزمن بسبب السرطان».
وحتى الوقت الحالي لم تصدر السلطات اليابانية، بيانًا رسميًا عن عرض الفيلم أو عدمه. ووفقًا لما وصفته مجلة فارايتي، مؤخرًا، يركز فيلم «Oppenheimer»، على العالم الفيزيائي النظري الأمريكي ج. روبرت أوبنهايمر، الذي قاد جهود بناء أسلحة الدمار الشامل التي أنهت الحرب. توفِّي حوالي 200.000 مدني ياباني بعد إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغاساكي في عام 1945. على الرغم من أن التركيز في الفيلم قد لا يكون كافيًا لمنع البلاد من عرض «Oppenheimer» في دور العرض، فإنه إذا تم تأكيد تاريخ الإصدار، فليس من الواضح إن كان الجمهور الياباني سيكون مهتمًا بمشاهدة فيلم حول هذا الموضوع.
يُذكر أنه في نهاية يونيو، أفادت مجلة فارايتي بأن المتحدث باسم الاستوديو قال: «لم يتم تحديد الخطط في جميع الأسواق بعد. منذ ذلك الحين، ترددت الشائعات بأن الفيلم سيتم منعه في البلاد. ومع ذلك، القرار ما زال يعتمد على شركة توهو – توا، التي تقوم بإصدار الأفلام الأميركية في اليابان، والتي لم تكن قد شاهدت الفيلم عندما أصدرت تلك البيانات».