عمر غازي
السينما، هذه الصناعة المُبدعة التي تجمع بين الفن والتكنولوجيا، لديها قدرة فريدة للتأثير على القلوب والعقول، وجعل القيم والثقافات عابرة للحدود، إضافة إلى إسهاماتها الجبارة في خلق أنماط متنوعة للتفاعل بين أمم العالم بأسرها؛ فتتجاوز الأفلام المؤثرة صاحبة الرسائل الحقيقة دومًا الحدود الجغرافية والثقافية، وتنقل الأحلام والأوجاع التي تشترك فيها البشرية.
ما يميز هذه القوى الناعمة أيضًا، هي قدرتها العجيبة على تجييش المشاعر وكسب الشعوب نحو القضايا الإنسانية التي يصعب على القوى الصلبة التعبير عنها. وفي الوقت نفسه، تساهم في خلق مناخ بشري قوي ومتعدد الثقافات، يكون داعمًا وسفيرًا لتلك القضايا في المحافل العالمية.
الأفلام تتيح لنا الفرصة لفهم العالم من خلال أعين وثقافات الآخرين، وتعرض لنا أنماطًا جديدة من الأفكار التي قد تكون غريبة عنا؛ فهي بارعة حقًا في خلق مناطق ثقافية حرة. وفي هذا الإطار، تعتبر الأفلام في مجملها أداة قوية للتعبير عن تلك القوة الناعمة على نحو مثالي، يمكن أن تتقبله شعوب العالم المتنوعة بشكل بسيط وغير معقد في قوالبه الفنية التي يعشقها الجميع، ويلجأ لها دومًا للتخلص من هموم الحياة. على سبيل المثال لا الحصر، الأفلام الهوليوودية، مثل: «تايتانيك»، و«حرب النجوم»، ليست فقط وسائل ترفيه، بل هي أيضًا تعكس القيم والثقافة الأميركية وتنقلها إلى جمهور عالمي.
إضافة إلى ذلك، تعمل الأفلام على صياغة الرؤى والمواقف تجاه التنوع في الجنس والعرق والدين والطبقة الاجتماعية، وتساعد بشكل ملحوظ في تغير وجهات النظر السلبية تجاه هذه القضايا التي تؤرق الإنسانية مُنذ الأزل. وعلى سبيل المثال، الأفلام البوليوودية، ومنها: «دلوالي دولهانيا لي جاينجي»، الذي يعكس القيم والأعراف الهندية، ويسهم في نشر الثقافة الهندية خارج حدود بلادها.
السينما تعدُّ أيضًا أحد أشكال الفن التي تعبر عن الهوية الثقافية للأمم؛ فهي سفيرة فنية بالغة الأهمية والخطورة حال استغلالها على نحو جيد؛ إذ تسمح لنا الأفلام بالتوغل داخل الثقافات والمجتمعات العالمية الأخرى دون الحاجة لتكبد مشقة السفر إليها، وتوفر فهمًا أعمق للقضايا الدولية. فمثلاً، الأفلام الفرنسية، مثل: «أميلي»، و«الفناء الخلفي»، تعبر عن الرومانسية والفن في آنٍ واحدٍ، وتعكس طبيعة الثقافة والفكر العام السائد في بلاد النور «فرنسا».
في العالم المعاصر، تعدُّ السينما صناعة أساسية للقوة الناعمة، إذ توفر منصة فريدة للتعبير عن القيم والأفكار والثقافات العالمية. ومع تطور التقنية وسهولة الوصول إلى الأفلام من كل بلدان العالم؛ فإن السينما ستستمر في تشكيل الثقافات والمجتمعات، وستظل صاحبة تأثير ساحر على القلوب والعقول يمكن أن يضاهي تأثير عشرات الأنماط الفنية والثقافية الأخرى.