إيمان محمد
لم تكن البداية للسينما في السعودية عام 2017 بعد السماح بمنح إصدار التراخيص من هيئة الإعلام المرئي والمسموع، أو حتى بعد فتح أول دور سينما في الرياض عام 2018، ثم في جدة عام 2019، كما يعتقد البعض. الحقيقة أن ما حدث، ما هو إلا امتداد لمرحلة بدأت في خمسينيات القرن الماضي من تأسيس وانتشار لما يسمى بـ«سينما الأحواش» التي أتت أيضًا كمرحلة لانتقالها من العروض بداخل التجمعات الأجنبية ومنازل بعض العوائل الثرية؛ لتنتشر بعد ذلك في صالات بعض الأندية الرياضية المحلية كناديي النصر والهلال؛ حتى تطورت إلى الصناعة في فترة السبعينيات بمساهمتها في إنتاج الأفلام بالتعاون مع السينما المصرية، قبل أن تشتد موجة التطرف، وتعصف بالمجتمع مع نهاية السبعينيات، وتوقف هذه المسيرة لقرابة الأربعين عامًا.
بدأت فكرة «سينما الأحواش» من مدينة جدة لتصل إلى ثمانية أحواش قبل أن تنتشر فيما بعد في مدينتي الطائف والمدينة؛ ما ساهم في تكوين بيئة ثقافية سينمائية متواضعة تهتم بتوزيع «بوسترات» الأفلام على أسوار المنازل وسط بعض الأحياء، والتوسع لإنشاء منصات بيع وشراء للتذاكر مصنفةً المشاهدة حسب الأعمار؛ حتى توسعت فيما بعد لإيجاد صالات مغلقة تستقطب دخول العوائل وتهتم بحضور النساء اللاتي كنَّ يشاهدن الأفلام من على أسطح المنازل المجاورة للأحواش.
كانت الشاشة الكبيرة «السينما» متنفسًا، له طابع مختلف في الإبهار والتأثير في ظل وجود الشاشة الصغيرة «التلفاز»؛ ما جعل ملاك تلك الأحواش يطورون من خدماتهم وينوعونها للمزيد من الإمتاع بزيادة أوقات العروض، بعد أن كانت تعرض فيلمًا واحدًا، إلى عرض ثلاثة أفلام في اليوم ما بين المصري والإيطالي والأميركي والهندي، واستئجار أحدث الأفلام – آنذاك – كأفلام جيمس بوند، وأفلام فريد شوقي وإسماعيل ياسين، والاهتمام بتحسين أدوات العرض نفسها بعد أن أصبح التنافس هدفًا لتجار العروض السينمائية، سواء بزيادة بكرات العرض لمنع الانقطاع وتملل المشاهد، أو باستقطاب أهم الأفلام العالمية والعربية.
تلك المرحلة من الاهتمام بالشأن السينمائي التجاري توسَّعت لتتخذ من الإنتاج والتمثيل مكانة مختلفة، وريادة في عالم السينما؛ نتج عنها أفلام ناجحة بالتعاون مع السينما المصرية، كان أنجحها فيلم حسين فهمي «مين يقدر على عزيزة» للمنتج السعودي فؤاد جمجوم، الذي امتد إنتاجه لثلاثين فيلمًا مصريًا في فترة السبعينيات، وتنسيقه مع أهم الشركات الأميركية كـ«وارنر براذر» و«مترو قولدن ماير» و«بارا ماونت» لإيجاد نسخ محدثة للبيئة السعودية يُحذف منها ما لا يلائم أفراد المجتمع.
أحواش السينما سابقًا، هي أمكنة تحاكي اليوم صالات العرض الحديثة، سواء المغلقة، أو تلك التي تعرض في الهواء الطلق، كسينما ساحة متحف اللوفر، أو سينما قمة جرف في النرويج، أو سينما «أورفس» اليونانية والأولى بهذه الأسبقية بعد إنشائها في عام1958، ومؤخرًا سينما العُلا التي ساهمت طبيعتها الساحرة في أن تنال مكانة استثنائية وتجربة مميزة لمشاهدة الأفلام في هوائها الطلق.