مشاري الذايدي
ينتظر كل عشاق السينما «الرفيعة» بعد أسبوع من الآن تقريباً، عرض الفيلم الكبير للمخرج الأميركي الشهير (كريستوفر نولان) في صالات السينما، عن سيرة الفيزيائي الألماني – الأميركي (روبرت أوبنهايمر) الوالد الفعلي للقنبلة النووية.
الفيلم مقتبس من كتاب السيرة الذاتية الحاصل على جائزة «بوليتزر» بعنوان (بروميثيوس الأميركي) الذي ألّفه الكاتبان (كاي بيرد) و(مارتن جاي شروين) عن سيرة العالم المثير، أوبنهايمر.
جانب كبير من الترقّب لعرض هذا الفيلم عائد إلى الثقة الكبيرة بجودة وفرادة ما يصنعه المخرج المثقّف نولان، وانتظار الجديد، بصرياً وذهنياً وثقافياً، الذي سيقدّمه نولان للجماهير.
وجانب منه للاحتفاء بصناعة السينما، وعودة الحياة للصالات والفرجة الكلاسيكية، عوض اللهاث الخفيف خلف شاشات الهواتف المحمولة و«التابلت» والاغتراف من مياه منصات الفرجة حسب الطلب… مع إقرارنا بوجود أشياء جيّدة.
وجانب منه أيضاً التعّرف إلى حكايات النهاية في العالم وكوارث الصراعات الدولية الكبرى، نظراً للمناخ المتوتر الذي يعيشه العالم على وقع الحروب الهائلة، وفي مقدّمها الحرب الروسية – الأوكرانية الغربية، التي لا ندري كيف يلطف الله بالعالم وتنتهي، وفيها أيضاً، هذه الحرب، رائحة القنابل النووية المهولة، التي أطلق شرارتها «برومثيوس» الأميركي، سارق النار المقدّسة.
هذا الأمر يكشف مدى قوةّ الدراما وصناعة السينما «الحقيقية»، ومن هنا كانت مبهجةً التصريحات التي أطلقها الأمير بدر بن فرحان وزير الثقافة السعودي، رئيس مجلس إدارة هيئة الأفلام لموقع «سوليود» السينمائي مؤخراً.
الوزير الشاب الطموح كشف عن أن السعودية تمتلك كل المقومات لتصبح مركزاً إقليمياً ودولياً لصناعة الأفلام.
كما أفصح عن الهدف «الجوهري» لهذه الصناعة من المنظور السعودي، وهو:
وصول القصص والأفلام السعودية إلى أبرز المهرجانات والمحافل السينمائية العالمية.
كيف نصل لهذا الهدف؟
من خلال جملة من الحوافز والتشجيعات والتدريبات والبعثات، كما أعلن الوزير، ومن ذلك:
* إطلاق النسخة الرابعة من برنامج صنَّاع الأفلام التدريبي، الذي يستهدف الوصول إلى 4000 متدرب ومتدربة سعوديين في مجال صناعة الأفلام.
* إنشاء استوديوهات سينمائية عالمية في «جاكس الثقافي» بالدرعية، بالتعاون مع شركاء عالميين.
* تدريس 1558 طالباً وطالبة بتخصصات أكاديمية في مجال صناعة الأفلام بالجامعات السعودية؛ إضافة إلى ابتعاث وزارة الثقافة 109 من الجنسين للدراسة في أفضل الجامعات العالمية.
هذه أمور مبشّرة، لكن لن تنجح صناعة السينما بشكل دائم ومستدام، إلا بنهضة ثقافية وازدهار في «صناعة» الكتابة، من روايات سابقة للأفلام والمسلسلات، وأيضاً نصوص مسرحية ناضجة، وهذه النهضة الكتابية لن تتمّ إلا بتكوين «الكاتب» الواعي المدرك المتمكن الحقيقي، الذي يستطيع – مثلاً – تحويل الحكايات السعودية والأساطير والملاحم (مثل ملاحم عبد الكريم الجهيمان رحمه الله) والقصص الاجتماعية الحديثة، إلى رواية ناجحة أو مسرحية ناضجة ممتعة.
من غير وجود الكتابة المحترفة لن تنجح صناعة الدراما والسينما، ومن دون وجود الكاتب المتمكّن لن تقلع سفينة الإبداع، والدليل، أو من الأدلّة، اعتماد الفيلم الأخير «المنتظر» لنولان، على كتاب ناجح من قبل، عميق، محترف، عن سيرة روبرت أوبنهايمر… إذن النجاح حلقات متصلة ببعض، مثل اتصال حلقات السلسلة ببعضها، كلها تشكّل كياناً واحداً وقصة متحدة.
المصدر: الشرق الأوسط