أحمد العياد
المرة الأولى التي شاهدت له عملاً كان فيلم “الطائر الصغير” في مهرجان أفلام السعودية 2021، الذي فاز بجائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم قصير.
من هنا لفت نظري وجود مخرج مميز يملك حسًا مختلفًا عن البقية، وله صوته الخاص.
بعد ذلك كانت التجربة الأهم من خلال فيلم “طريق الوادي” أحد أهم إنتاجات مؤسسة إثراء، والفيلم الذي تم اختياره ليكون فيلم الختام في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2022.
في سوليوود التقينا المخرج ليحدثنا عن مسيرته الفنية، سواء ككاتب أو مخرج، وعن بدايته في العمل السينمائي عام 2012 في كندا عندما كان طالبًا هناك، وواصل التعليم من خلال دورات ودراسات حول صناعة الفيلم، وعمل في برامج ومهرجانات سينمائية، واتجه إلى صناعة الأفلام السينمائية القصيرة منذ عام 2017.
قدَّم العديد من الأفلام للسينما السعودية منها أفلام: “المستثمر”، و”سيجارة الصباح”، و”الطائر الصغير” قبل أن يقدم تجربته الروائية الطويلة الأهم “طريق الوادي”.
بعد أن عُرض “طريق الوادي” في مهرجانات عديدة منذ سبتمبر، ما هي توقعاتك لاستقبال الجمهور للفيلم الذي سيتم عرضه في السعودية بعد أيام؟
ليس لدي أي توقع شخصي لاستقبال الناس للفيلم، وأتمنى أن ينال استحسان الجمهور ويحبونه. هناك هوس وحلم عند أي مخرج أن يكون لديه فيلم شباك.
هل اختيار الأطفال كأبطال في فيلمك القصير “الطائر الصغير”، والفيلم الطويل “طريق الوادي”، كان صدفة أم قرارًا متعمدًا منك؟
كتجارب شخصية مع الأفلام القصيرة كان لدي أكثر من فيلم منها ما تدور أحداثه حول الاختلاس والتزوير. وفيلم آخر يتحدث عن شكسبير والممثلين الذين لديهم هوس في الدخول في شخصيات غير شخصياتهم. ثم جاءت تجربة “الطائر الصغير”، وهي تجربة اجتماعية.
كان هناك أكثر من تحدٍّ، بداية من حيث نوعية الفيلم، وموضوعه باعتباره فيلمًا موسيقيًا سعوديًا.. ما الشيء الذي جعلك تخوض تلك التجربة؟
أعتقد السيناريو، ففي النسخة الأخيرة من السيناريو لم يكن فيها أغانٍ، لكن في رحلة الطفل كنا نقول إن الطفل يخرج من عالم ويدخل في عالم آخر، فرأينا أنه يجب إضافة شيء باهر بصري أو سمعي. وأعتقد أن الجانب الموسيقي أو السمعي هو جانب إبهار أيضًا لمخيلة الطفل. وبصراحة قلقت من إضافة أغانٍ في ختام الفيلم، فيتم تصنيف الفيلم كفيلم موسيقي لأننا نريد تصنيفه فيلم مغامرة عائلي. وكان هناك ملاحظات كبيرة من أسماء لها تاريخ سينمائي كبير مثل محمد حفظي وغيره، على تقديم الفيلم بهذه الصورة، وكانوا يرون أنه إمَّا أن نضع موسيقى في نهاية الفيلم، أو أن نقلل من الموسيقى حتى لا يتم تصنيفه كفيلم موسيقي.
يتردد الحديث بأن روح الفيلم ليست عربية ولا سعودية من حيث الرقصات وعرض الأزياء وألوان المنازل.. ما رأيكم في ذلك؟
ندرس في صناعة الأفلام أن الرمز الذي وضعته ديزني مثلاً للأفلام العائلية لا يمثل دولة بعينها، مثل فيلم “علاء الدين”، إذ ستجد خليطًا بين الباكستاني والإيراني والعربي، مزيجًا بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، في قالب تشاهده لتقول هذه أفلام ديزني، ولكنها لا تمثل الجينز والماكدونالدز والطابع الأميركي، كذلك بعض الأفلام مثل “لوكا” لا تمثل البيئة الأميركية ولكن تمثل الإيطالية أكثر.
أعتقد أننا لدينا مشكلة في الرمز الذي يمثل عالم الخيال، وهذا أعطاني انطباعًا بأن القرية تستحمل الكثير من الخيال. وأعتقد أن كثيرًا من الأفكار ليست أفكارنا، بل مستوحى من الغرب وآسيا، ومن السينما العالمية؛ لأننا لا نستطيع أن نقول إن “علاء الدين” أمريكي أو عربي، ولكنه عالمي فانتازي، ولا يوجد أي قانون لصناعة الأفلام الخيالية، ويمكننا كسر أي قواعد. وعندما جلست مع ريم سعود، مصممة الملابس، وتحدثت معها، سألتني بكل صراحة: “مو شايف إننا بنشطح؟”، قلت لها: “أنا أحب أشطح”، ونقدم خيالاً خصبًا.
العمل فيه عدد كبير من الممثلين.. كيف تم التعامل معهم؟
كان أصعب تحدٍّ عندي في الفيلم وجود 22 شخصية ناطقة، وأنت كمخرج تريد أن يقول المشاهد إن هذا الفيلم جميل. فمقدار الجرعة لكل ممثل وأداؤه كان أكبر تحدٍّ بالنسبة لي. شخصيًا أخاف أن يُنظر إلى الممثل كأنه كومبارس في السينما. من الممكن أن تبدع في مشهد واحد والجمهور لا ينساك. وهناك من حصل على الأوسكار عن 20 دقيقة فقط.
الممثل بالنسبة لي مثل الوعاء. هناك شخص إذا أخذ قدره مثل الفنان القدير نايف خلف، أخذ قدرًا كاملاً، فهو قادر أن يعطيك زيادة لأنه لديه خبرة.
بعض الممثلين يقولون إن هذا العمل يمثل إضافة لهم، وأنا أرى أن هذا العمل كأول فيلم طويل إضافة أيضًا لي. أن تعمل مع نايف مكسب كبير لي، كذلك مشاركة أسيل عمران في العمل كان تحديًا كبيرًا. أن تأخذ أحدًا من عالم الدراما للعمل في السينما هي تجربة مختلفة.
كيف أقنعت أسيل عمران، خاصةً أن الدور الذي حصلت عليه لم يكن بطولة؟ وكيف كان التعامل مع ممثلة اعتادت العمل في المسلسلات التلفزيونية فقط؟
الشخصية تشبه أسيل شكلاً ومضمونًا، وقمنا بعمل (كاستنج)، وقابلت تحديات كثيرة، وتدربت 5 مرات، وكان من شروطي أن تقص شعرها. وحينما قرأت النص ووافقت على عمل (كاستنج) وجدتها ممتازة. وأعجبني أداؤها، وقمت بتعديل بعض الأشياء معها. وفي إحدى المرات قالت لي إنها تشعر أن دورها ليس به حوارات طويلة، فقلت لها السينما مشاعر وظهور، ومن الممكن أن تأتي بنظرة فقط ولا تركز على الحوارات، فليوناردو دي كابريو أخذ الأوسكار على أدائه 8 جمل فقط!.
لا شك هي أول تجربة سينمائية لها، وأنا أشكرها جدًا؛ لأنها تخلت عن أسماء كبيرة من مخرجين كثر في الساحة من أجل المشاركة في هذا الفيلم.
الفيلم فيه مشاهد مباشرة مثل مشهد لقاء الرجل كبير السن مع الطفل في منتصف الفيلم.. ما أهمية هذا المشهد؟
هذا الدور كان مفصليًا بالنسبة لي، اليوم حين تريد أن تعطي رسائل للطفل، وليس فقط هذا الطفل في الفيلم، لكن أي طفل يشاهد هذا العمل، فأنت تحتاج أن تقدم له عبارات صريحة وواضحة، ولا تحدثه بأسلوب معقد أو غير مباشر يفكر فيه ليستخلص الحكمة، بل يجب أن يكون الحوار مباشرًا؛ لأن هذه الفترة في الفيلم كانت 12 دقيقة، فكان مهمًا أن تخرج بهذا الشكل، ومع تسارع الأحداث كان المشهد بمثابة الفاصل الإعلاني، حيث ترى بيئتنا وصحراءنا، ومجموعة من الحكم تعطى بواسطة رجل حكيم.
هل صحيح أن هناك شخصًا كتب الفيلم بالتعاون معك؟
بعد أن كتبت 4 نسخ من الفيلم، أدخلت معي بعض الكتَّاب؛ لأنني أحب أن أسمع آراء ورؤى أخرى. جلسوا وقرأوا النص معي وقالوا نزيد هنا أو هناك وهكذا.. وهناك مشاهد تناقشنا فيها كثيرًا وكنت أحتاج لهم. وبعدها بحثنا عن معالجة نصية، وكان أول خيار عندي هو هيثم دبور بعد نجاح “وقفة رجالة” وقتها كان في السينما، وقدمت اقتراحًا لإثراء بأني أحتاجه لأنني أريد أن أعرف هل القصة في طريقها الصحيح أم لا.
لماذا “وقفة رجالة” تحديدًا وهو فيلم كوميدي لا يشبه فيلمك؟
أن أقدم فيلمًا للعائلة، وكنت أرغب في إضفاء خفة ولطافة أكثر، أريد شخصًا يظهر لي هذه اللطافة في الفيلم؛ لأنني أريد أن يكون الشر في القصة لطيفًا للطفل لا يشعر بالخوف خلال المشاهدة. وبالفعل جلس معي هيثم دبور جلستين وقرأ النص وأعجب به، وكان لديه بعض التعليقات تمت المناقشة فيها. والجميل في هيثم دبور أنه لا يعطي لك رأيه، ولكن يقول لك من الأفضل أن نفعل ذلك، أو لا نفعل كذا. وكان معجبًا جدًا بفكرة السياحة والأجانب. وقال لي أخيرًا هناك عنصر أجنبي في السينما، والحياة السعودية تعطيها مستوى أفضل وبُعدًا عالميًا عن السعودية.
شعرنا بطول الفيلم، وبخاصة في آخر ربع ساعة، هل كان بالإمكان اختصاره؟
بداية الفيلم كانت طويلة، بداية من الفراشة التي تدخل على العالم، ثم تقرأ المجلة، وتجد سياحًا وتسمع أغنية، وبعدها تبدأ القصة. فالمشهد الأول أخذ 5 دقائق لبداية الفيلم، وبعدها وجدت أن هناك الكثير من الشخصيات يجب أن أنهيها مثل شخصية البنت والأخت والسياح وغيرهم. لذا، أخذت النهاية وقتًا طويلاً لتخرج بشكل مكتمل دون أن نغفل عنصرًا من عناصر القصة.
كمخرج، يبدو أنك قارئ نهم ولديك مراجع كثيرة؛ فما هي أهمية القراءة بالنسبة لك؟
لكي تكون كاتبًا جيدًا يجب أن تكون قارئًا جيدًا، ولكي تكون مخرجًا جيدًا يجب أن تكون مطلعًا جيدًا. أنا أعتقد أن المخرج يجب أن يكون فنانًا مثقفًا وليس مخرج صورة. عندما تجلس مع فنان وترى الفكرة والبعد والمراجع وطريقته وأفكاره وهذه الأشياء تقدر أن تظهر منه شغلا مختلفًا. وإلى الآن أنا أرى أني ليس لدي بصمة بعدُ، لكن لدي شهادة أعتز بها كثيرًا وأحاول أن أطورها. عندما قال لي أحد النقاد بعد أن شاهد بعض المشاهد من “طريق الوادي”: “خالد أنت تجيد اللغة الصامتة ونحن نفتقرها بالسوق مثل مشهد الأب والبنت الأخير، خاصة أن معك الطفل 90 دقيقة صامت، ولديك مهارات وحس فني مختلف حاول أن تطورها في نفسك”. وأنا أبحث عن ذلك دائمًا، أن يكون لي بصمتي الخاصة. وأخيرًا الفيلم له اقتباسات سينمائية كثيرة، فأنا ممتن لكل مخرج أو مشهد في فيلم تأثرت به، وبكل كتاب أو رواية شكلت مخزوني الفكري والفني، مثل أفلام Kill bill، وLion king، وMy Neighbor Totoro.
تم عرض 9 أفلام سعودية في العام الحالي، ونجح فقط فيلما “سطار” و”الهامور”.. هل المشكلة تكمن في محتوى الأفلام، أو في الجانب التسويقي؟
بالطبع تسويق الفيلم؛ لأن عملية الوصول لمشاهد السينما أصبحت عملية معقدة وتحتاج إلى شركات متخصصة. فمثلاً: هناك من يقول إن الفيلم الفلاني من الصعب أن يصل إلى المشاهد العادي. وأعتقد أن هناك فجوة كبيرة بينك وبين المشاهد العادي، ولا أعلم كيف نصل لهم إلى الآن. ففي فيلم “طريق الوادي” كانت الشركة التي صنعت تريلر الفيلم بريطانية، وهي متخصصة في تسويق الأفلام. وللأسف نحن نفتقر إلى وجود شركات متخصصة في ذلك.
كل الشكر خالد..
الشكر لك أحمد على هذا الحوار الجميل..