اسامة الشاذلى
يمكن لفرنسا أن تحمل لقب “صانعة السينما” أو “نقطة البداية” وذلك لما لديها من مخرجين وكتاب وممثلين ساهموا في اختراع مفهوم كامل للسينما في العالم. ويمتد تاريخ السينما الفرنسية بدءًا من زمن السينما الصامتة التي سادت بين عامي 1895 و1929 التي تطورت بسرعة لتصبح الفن السابع. ففي 22 يناير 1895 دفع الجمهور فرنكًا فرنسيًا واحدًا ثمنًا للجلوس أمام شاشة بيضاء في الصالون الهندي في شارع الكابوسين، ليشاهدوا أول عشرة أفلام للأخوين لوميير أُطلق عليها سينما “اللقطات”، وكان أولها منظرًا لخروج العمال من المصنع. وشاهدوا أيضًا فيلم “وصول قطار في محطة لاكيوتات” الذي بلغت مدته 50 ثانية فقط.
وطور الأخوان لوميير آلاتهم السينمائية، ونافسهم بعد ذلك المسرحي المحترف جورج ميليس، الذي اشترى آلة متطورة من لندن وصور أفلامًا تقلد أفلام الأخوين لوميير. ثم يأتي بعد ذلك شارل بانييه الذي يعده الفرنسيون أول من جعل من السينما الصامتة صناعة. وبذلك تكون السينما الفرنسية قد ارتبطت في بدايتها بثلاثة أسماء هي: لوميير، ميليس، بانييه. وكان فيلم “رحلة إلى القمر” الذي أنتج عام 1902 هو ثاني أهم محطة في تاريخ السينما الفرنسية، أما فيلم “طفل خلف السياج” فكان أول فيلم من صنع سيدة.
وفي الفترة من 1908 وحتى 1913، أنهى بانييه طريقة بيع الأفلام بالمتر، وجعلها أفلامًا تؤجر للمستثمرين عن طريق شركات وكيلة، ليتم بعد ذلك إنشاء أماكن خاصة للعرض، حيث دشن بانييه بنفسه صالة عرض فخمة في أحد شوارع باريس تدعى “أومنيا باتييه”، وحدد لذلك إجراءات إدارية مازالت متبعة إلى اليوم في مهنة السينما، واضعًا الموزع بين المنتج والمستثمر، ليبتكر ذلك الثالوث الذي يتحكم في سوق السينما إلى الآن. ويأتي من بعده مواصلاً المشوار كل من ألبيرت كابيلاني، ليونس بيريه، فيكتور آرت جاسييه ولويس فوبييا، وهم الذين صنعوا أفلامًا مهمة شكلت أساسًا مهمًّا للسينما الفرنسية بعد ذلك.
وشكل عام 1914 انهيار السينما الفرنسية. فإضافة إلى المنافسة الأميركية والدنماركية، كان للتعبئة العسكرية دورها الكبير في هذا الانهيار، فقد تم انتزاع الفنيين من الاستوديوهات، وكذلك المخرجين وكبار نجوم السينما الذين سيقوا إلى ساحات التدريب وقامت السلطات بمصادرة الاستوديوهات وتحويلها إلى مصانع أسلحة، ومع ذلك تم إنتاج أفلام مثل “دين الكراهية”، “ابنة الألماني”، “الموت في ساحة المعركة” و”احذري أيتها الفرنسية”، وهي أعمال وطنية لا تخلو من الهشاشة الفنية.
كذلك برز جيل من المخرجين الشباب الذين حاولوا إعادة الوضع السينمائي إلى ما كان عليه، مثل لويس دولوك، إيبيل جانس ومارسيل ليبرييه. وبعد انتهاء الحرب، وفي بداية العشرينات، عاد الأمل والتفاؤل إلى السينما الفرنسية، ويقول جورج سادول “هاهي الاستوديوهات السينمائية المهجورة تعود للعمل بعد توقف. وهاهم العمال الجيدون يعودون من جديد. إننا نشهد مرحلة مليئة بالوعود. السينما الفرنسية تولد من جديد”.
وليبدأ بعد ذلك الإنتاج الواسع والشاسع، وتم بين عامي 1919 و1925 تصوير 60 فيلمًا سينمائيًّا، منها “الندبة” و”اليتيمة”، وقدمت للجمهور ممثلاً وسيمًا يُدعى رينيه كلير.
بعد ذلك بدأت في الظهور أعمال لأهم صناع السينما في تلك الفترة مثل جوليان دوفييه، ريمون برنار، جان رينوار وجاك فيدير.
ومنذ عام 1923 ظهرت حركة طليعية متأثرة بالسريالية التي كانت أحيانًا حركة محرِّضة ووقحة، قام روادها بإنتاج أفلامًا تجريبية، وفي هذا الإطار ظهر اثنان من كبار مخرجي القرن العشرين، وهما رينيه كلير صاحب فيلمي “باريس النائمة” و”الاستراحة”، والمخرج لويس بونويل الذي أطلق مع الفنان سلفادور دالي أول فيلم سريالي بعنوان “كلب أندلسي”. وشهدت هذه السنوات انفجارًا مبكرًا من المواهب. لتأتي بعد ذلك مرحلة مهمة من مراحل السينما الفرنسية، وهي الفترة بين عامي 1929 و1958، والتي شهدت إنتاج أفلامًا مهمة مثل “مغني الجاز” لآلان كروسلاند وغيرها من الأفلام.
بعد ذلك تأتي فترة السينما المحتلة أو سينما الاحتلال، وأفلام مثل “بصمة الله” لليوند موجي، وفيلم “المقطورات” لجان جريميون الذي وصل إلى هوليوود بعد وقت طويل من النجمين جان كابان وميشيل مورجان، وكذلك برز في التمثيل آلان ديلون وبريجت باردو، لتأتي بعد ذلك مرحلة الموجة الجديدة وجيلها الذي أطلق عليه “الجيل المعقّد” لتناوله التأثير الذي تركته أحداث ثورة الشباب في 1968 على الواقع السينمائي الفرنسي.
وبعد أن تركت بصماتها على عدد لا يُحصى من دور السينما الأوروبية وهوليوود في نهاية الستينات، بدأت الموجة الفرنسية الجديدة في التراجع، وكان وراء هذا تيار تجاري دعم نمطًا سطحيًّا في 1980 وأسس ما يُسمى بـ “السينما دون وجهة نظر”.
وبدأت الواقعية في العودة في 1990، في المقام الأول عن طريق فيلم “لا هين” لماثيو كازوفيتز. وفي السنوات الأخيرة، استطاع وجاك أوديار أن يصبح المخرج الأكثر احترامًا في فرنسا، بعملين في غاية الروعة، وهما “نبضات قلبي التي استطعت التغلب عليها” في 2005، و”النبي” عام 2010. ولكن لا تزال المرحلة الأخيرة للسينما الفرنسية ممتدة من 1975 وإلى الآن، والتي شهدت شيوع ما سُميّ بسينما الممثلين ونهاية سينما النوع حسب رأي بعض النقاد.
المصدر: السينما.كوم