رجا ساير المطيري
اقترب فيلم “سطار” من الوصول إلى رقم “مليون” تذكرة في مبيعات صالات السينما خلال عشرة أسابيع فقط منذ انطلاق عروضه. وهذا رقم استثنائي بكل المقاييس، ليس فقط على مستوى السينما السعودية، بل حتى العربية؛ في نجاح تجاري يؤكد جدوى الاستثمار في الأفلام السعودية متى ما صُنعت وفق حدود واشتراطات المزاج الشعبي العام.
لقد عثر صُنَّاع الفيلم على الوصفة السحرية للفيلم السعودي الناجح في شباك التذاكر، والمتمثلة في تبسيط الحبكة/ الحكاية إلى أقصى حد، ومن دون أي تركيب من أي نوع. هناك شاب سعودي مهووس بالمصارعة، وتتهيأ له فرصة المشاركة في مسابقة سريّة تجري تحت الأرض، تُنظمها جماعة مشبوهة. خط واضح، بشخصيات ذات بعد واحد، وروح كوميدية أراد لها صُنَّاع الفيلم أن تكون شعبية خالصة بأفكارها ومفرداتها.
يُتابع الفيلم حكاية الشاب “سعد” الذي يُحاصره الفشل من كل اتجاه، بدءًا من تحديات زواجه، وانتهاء بوظيفته التي لا تُرضيه، وقبل ذلك حُلمه الذي يبدو مستحيلاً في مدينة مثل الرياض، وهو أن يكون مُصارعًا مُحترفًا وناجحًا. لذلك يجد في إعلان عابر عن مسابقة للمصارعة، أملاً كبيرًا، ووسيلة للنجاة من واقعه البائس، فيشترك فيها بلا تردد. وفي أثناء هذه الرحلة، يدخل في علاقات مع شخصيات تبدو كاريكاتورية من شدة غرابتها مثل: مدير الأعمال “علي هوغن”، والمدرب الباكستاني “عبدالخالق”، وغيرهما من شخصيات عالم المُصارعة السرِّي الذي يجري تحت ورشة للسيارات.
قد يبدو هذا العالم مُستلاً أو مستوحى من فيلم Nacho Libre، وفيلم Fight Club، من حيث الحبكة بالنسبة للفيلم الأول، ومن حيث النادي السري السُفلي والأجواء القاتمة بالنسبة للفيلم الثاني. لكن “سطّار” يتمكن من تجاوز ورطة المقارنة بتكييفه للحكاية والأجواء، وإعادة رسمها بنكهة محلية مُركزة، مدعومًا بالأداءات الجيدة لممثليْن لهما حضور شعبي ممتاز هما: عبدالعزيز الشهري وإبراهيم الخيرالله؛ إلى جانب إبراهيم الحجاج، وشهد القفاري التي تخوض تجربتها الأولى في التمثيل.
لكن رغم هذه النكهة المحلية، والروح الكوميدية، يُعاني الفيلم من حبكته الطفولية البسيطة إلى حد التسطيح، بانقلاباتها المفاجئة وغير المقنعة. فالبطل “سعد” يتغير مصيره، وتتغير أهدافه بشكل مفاجئ دائمًا؛ إذ فجأة يكتشف أن مدربه ليس مدربًا! وأن جدَّه بطل مشهور، وأن لديه مهمة أمنيَّة! هذه الاكتشافات وغيرها، تحدث للمرة الأولى في لحظتها، دون سابق تهيئة، ودون مبرر أو إشارة؛ وذلك بخلاف الأفلام التي تعتمد هذه الطريقة في الكشف والمفاجأة، والتي إن أعدتَ مشاهدتها ثانية فستجد إشارات كثيرة منثورة هنا وهناك، لم تنتبه لها إلا بعد حصول الموقف الذي اعتقدتَ أنه مفاجئ وصادم عند رؤيتك له للمرة الأولى.
هذه مشكلة سيناريو بالدرجة الأولى، وربَّما حصل هذا بتأثير من الكاتب المصري أيمن وتار الذي صاغ سيناريو الفيلم بالشراكة مع إبراهيم الخيرالله، والذي ارتبط مشواره الفني بأعمال كوميدية مصرية تحمل ذات البساطة السردية. ونفس الأمر بالنسبة لمخرج الفيلم عبدالله العراك، صاحب التجارب التلفزيونية السابقة مع أعمال كوميدية بسيطة ومُباشرة. لكن: إلى أي حد يمكن اعتبار هذه المشكلة مُشكلة؟!.
إن نجاح أي فيلم في صالات السينما يُعدُّ هدفًا بحد ذاته يسعى له المُنتجون مهما كان المستوى الفني لأفلامهم، وهو نجاح لا يمكن قياس أسبابه، ولا تحديد عوامله، ولا يخضع لأي معادلة فنية، بل إنَّ ما نراه ضعفًا قد يكون هو بالذات سبب النجاح. والشواهد كثيرة في تاريخ السينما لأفلام نجحت لأسباب غير واضحة، منها أنها جاءت في الوقت الصحيح الذي ينتظره مزاج جمهور متعطش لهذا النوع من الأفلام تحديدًا. ويبدو أن فيلم “سطار” نجح لأنه جاء في الوقت المناسب تمامًا، بدليل إقبال الجمهور حتى الآن على مشاهدته في صالات السينما.
ومن المهم أن يكون هذا النجاح الجماهيري مبنيًّا على فكرة واعية تستوعب مزاج الجمهور وتعرف احتياجاته، وذلك لضمان استمرار تدفق الأفلام الناجحة، ومن ثَمَّ خلق تيار تجاري مؤثر في صناعة السينما السعودية. وإذا أخذنا في الاعتبار التجربة الناجحة لأستوديو تلفاز11 – المنتج الشريك للفيلم عبر شركة “أفلام الشميسي” – والتي كان خلالها الأستوديو من أكثر جهات الإنتاج السعودية حضورًا ووصولاً وتأثيرًا في شرائح جماهيرية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، منذ بداياته في يوتيوب، وصولاً لمنتجاته في شبكات العرض الرقمية؛ فإنه يمكن القول إن هذا الأستوديو امتلك وصفة النجاح التي جعلته يصنع فيلم “سطار” بهذه الطريقة بالذات؛ لأنه يفهم ماذا يريد الجمهور العام، ويدرك أن هذا النوع الكوميدي، وهذا القالب البسيط، وهذا الأسلوب المُباشر، هو الذي تحتاجه صناعة الأفلام السعودية في هذه المرحلة التأسيسية التي تبحث فيها عن موضع قدم في صالات السينما التجارية.