خالد ربيع السيد
فيلم النوار «Film noir» يعني (الفيلم الأسود أو السوداوي)، مصطلح سينمائي يُستخدم لوسم أفلام الجريمة والدراما النفسية التي ظهرت في «هوليوود” إبان الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وكان الناقد الفرنسي «نينو فرانك» أول من أطلق هذا المصطلح عام 1946م.
من البداية علينا أن ندرك أن أفلام «النوار» لا تقتصر سماتها على القصة المبنية على الجريمة فحسب، بل إنها تتأثر بأسلوب السرد من جهة المونتاج والإيقاع والتنقل بين عدة خطوط سردية، وبالتشويق والغموض، وأيضًا بزوايا التصوير وأحجام الكوادر، والإضاءة وأسلوب الحوار المراوغ، والأجواء القاتمة المحيطة بالفيلم ككل. وهي تنتمي أكثر إلى خليط من السينما التعبيرية الألمانية والمدرسة الواقعية الشاعرية الفرنسية.
وكما أسلفنا امتدت حقبة أفلام «النوار» من بداية الأربعينيات حتى أواخر الخمسينيات، ولازمها أسلوب بصري خاص قائم على التصوير بالأبيض والرمادي والأسود، مع الإضاءة الخافتة دائمًا التي تعتمد على ضوء الشموع وإشعاعات الإضاءة والنور البعيد، إذ يعود ذلك بجذوره إلى التصوير السينمائي المعتمد في أفلام الموجة التعبيرية الألمانية.
ويُلاحظ أن الكثير من قصص أفلام «النوار» الأولى وأساليبها استمدت روحها من مدرسة قصص الجريمة المعروفة باسم«Hardboiled» ، أو القصص البوليسية الممتزجة بالعنف والجريمة والجنس، بأسلوب قاسٍ وجاد، والتي انتشرت خلال فترة الكساد الاقتصادي في الولايات المتحدة.
خصائص فيلم «النوار»
عند الغوص في التفاصيل نجد أن أركان فيلم «النوار» خمسة، هي: الحبكة الاستقصائية/ التحقيقية، وصوت الراوي، والفلاش باك، وتعدد وجهات النظر، والطقوس البصرية.
وقد تحققت كل هذه الأركان الخمسة في فيلم لورا«Lura» على نحو بديع. فهناك امرأة قتيلة لا ندري من قتلها، وهناك صوت الراوي الذي يحكي القصة، وهناك محقق يبحث عن الحقيقة، وبذاك تتعدد وجهات النظر؛ كل واحد منهم يحكي ما حدث من وجهة نظره. وهناك الطقوس البصرية التي تبعث على الرهبة والتوتر: الليل والضباب والمطر والاستخدام المتقن للكاميرا بحيث تضاعف معنى الغموض والحيرة والقلق. ولذلك يعد فيلم «Lura» أحد الأمثلة القليلة المبكرة التي شكلت الصورة النموذجية والختامية والناضجة لهذه الأفلام.
وعلى هذا الأساس قام المؤرخون السينمائيون والنقاد على حدٍ سواء بتعريف أسس «النوار» عبر إجراء مسح تاريخي؛ إذ إنه قبل رسوخ هذا المصطلح مع حلول فترة السبعينيات، كان يُطلق على أفلام «النوار» الكلاسيكية مصطلح ميلودراما «مزيج بين العاطفة والدراما».
على كل حال، يتضمن الفيلم الأسود عدة أنواع من القصص، وعادة ما يكون البطل الرئيسي فيه إمَّا محققًا خاصًا(The Big Sleep)، أو شرطيًا متخفيًا (The Big Heat)، أو ملاكمًا مسنًا (The Set-Up)، أو محتالاً سيئ الطالع (Night and the City) ، أو مواطنًا مطيعًا للقانون يندس إلى عالم الإجرام (Gun Crazy) ، أو ضحية لظروفه الاجتماعية .(D.O.A.)
غير أن أجواء الفيلم الأسود عُرفت أساسًا ضمن الأفلام الأميركية، فقد بات الكثير من الأفلام من هذا النوع يوصف بـ«النوار» في كافة أرجاء العالم. فمع بداية الستينيات وصاعدًا، صدرت العديد من الأفلام التي تشترك في نفس الخصائص الكلاسيكية، وتتعامل مع تقاليده غالبًا بطريقة الخصوصية الذاتية.
ويُشار كثيرًا إلى هذه الأعمال الأكثر حداثة والمستخدمة لأجواء «النوار» باسم film The new noir« أفلام النوار الجديدة». كما ألهمت المعاني المجازية لفيلم «النوار» فن المحاكاة التهكمية منذ أواسط الأربعينيات.
هناك العديد من أفلام «النوار» في تاريخ السينما، من أشهرها فيلم Kiss Me Deadly الذي تم إنتاجه عام 1955، وفيلم they live by night وأنتج عام 1948 بجانب أفلام أخرى مثل: The Big Sleep وThe Third Man، ويُعد فيلم «لمسة الشيطان» Touch of Evil هو آخر فيلم «نوار» بالشكل الكلاسيكي لهذه الأفلام.
من أفلام «النوار»
1- فيلم Double Indemnity
إنتاج عام 1944، وهو من إخراج النمساوي «بيلي وايلدر»، مقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم. وتدور أحداثه عن زوج يعمل كمندوب مبيعات وله زوجة ترغب في التخلص منه، لكنها تكشف وثيقة للتأمين على الحياة تفيد بأنه في حالة موته بطريقة بشعة تتضاعف قيمة الوثيقة.
2- فيلم The Big Sleep
إنتاج عام 1946، ومن إخراج «هوارد هوكس». فيلم يتناول شخصية المحقق «فيليب مولر»، وهي شخصية ظهرت في عدد من الروايات التي تحولت إلى أفلام بعد ذلك. الفيلم من بطولة «همفري بوجارت» الذي شارك في صناعة عدد كبير من أفلام «النوار»، ويُعد من أشهر نجومها.
3- فيلم Sunset Boulevard
إنتاج عام 1950، ومن إخراج «بيلي وايلدر». من أجمل أفلام «النوار» على الإطلاق، على الرغم من الجدل المثار حول تصنيفه، إذ يعتبر بعض النقاد أنه ليس فيلم «نوار» حقيقي. الفيلم يتناول قصة كاتب سيناريو يتعرض لأزمة مالية كبيرة، إلا أن القدر يجعله يصل إلى قصر إحدى نجمات السينما الصامتة التي خسرت شهرتها مع انتشار الأفلام الناطقة، وهنا يكمن سر شعورها بالمرارة الشديدة، غير أن الكاتب يقرر مساعدتها بكتابة فيلم خصوصًا لها وتجمع بينهما علاقة عاطفية قوية قائمة على الاستغلال.
4- فيلم The Maltese Falcon
إنتاج عام 1941 لـ«جون هيوستن»، وهو من بطولة نجم أفلام النوار «همفري بوغارت». يدور حول محقق بارع بدم بارد يبحث في خلفية ثلاثة مجرمين في سعيهم للحصول على تمثال ثمين.
5 – فيلم Double Indemnity
إنتاج عام 1944 للمخرج «بيلي وايلدر»، يتحدث عن محقق تأمينات يلتقي بعميلة ويتفق معها على قتل زوجها والحصول على مبلغ التأمين، باعتباره موتًا طبيعيًا، بينما يستنبط محقق التأمين خطة أخرى أيضًا للحصول على ضعف المبلغ، على أساس بند التعويض المزدوج لكن صديق المحقق تبدو لديه شكوك أخرى حول وفاة الزوج.
6- فيلم Laura
إنتاج عام 1944 للمخرج «أوتو بريمنغر» يتناول قصة شرطي يقع في حب المرأة التي يحقق في شأنها.
7- فيلم The Big Sleep
إنتاج عام 1946 لـ«هوارد هاوكس»، ومن بطولة «همفري بوغارت» و«لورين بيكول» تدو أحداثه حول محقق خاص تقوم عائلة ثرية بتعيينه لمعالجة موضوع شخص يقوم بابتزاز ابنة العائلة.
8- فيلم Gilda
إنتاج عام 1946 للمخرج «شارلز فيدور» وبطولة النجمة «ريتا هيوورث» تدور قصته حول مقامر يعمل في كازينو يكتشف أن حبيبته السابقة متزوجة من مدير الكازينو.
9- فيلم Out of the Past
إنتاج عام 1947 لـ«جاك تورنيور»، تدور أحداثه حول جاسوس يهرب من ماضيه للعمل في بلدة صغيرة، لكن الماضي سيلحق به ليعيده من جديد لخطر وفساد المدينة.
10 – فيلم The Reckless Moment
إنتاج عام 1948 للمخرج الألماني الكبير «ماكس أوفولس»، يتناول قصة الأم التي تعمل المستحيل لحماية ابنتها من الاتهام بارتكاب جريمة قتل حينما اكتشفت جثة عشيق ابنتها المبتز!
11- فيلم In a Lonely Place
إنتاج عام 1950 للمخرج «نيكولاس راي» يتحدث عن أميركي كاتب سيناريو كان ناجحًا في الماضي، لكنه مثل العديد من الكتاب في مجاله، واجه قليلاً من الصعوبة ولم يكتب فيلمًا ناجحًا منذ مدة، يتم تكليفه بتحويل أكثر الكتب مبيعًا إلى فيلم ناجح، لكن تأخذ حياته منعطفًا منعكسًا عندما يتم استدعاؤه إلى مركز الشرطة للتحقيق معه كمشتبه به في مقتل امرأة شابة.
12- فيلم Pickup on South Street
إنتاج عام 1953 للمخرج «سامويل فولر»، تدور أحداثه حول نشال يسرق رسالة يتضح فيها أنها موجهة لعملاء العدو مما يجعله شخصيًا هدفًا لحلقة تجسس شيوعية.
13 – فيلم Touch of Evil
إنتاج عام 1958 للمخرج العظيم «أورسون ويلز» في قصة مليئة بالخبث والمؤامرات، وعن جريمة قتل واختطاف في ظل فساد الشرطة في مدينة مكسيكي