خالد ربيع السيد
ظاهرة الأفلام المستقلة تسير في العالم العربي على وتيرة متنامية حتى الآن، ورائدها في مصر، كما يُشار إليه، المخرج المصري إبراهيم البطوط، يشاركه عدد من المخرجين الشباب في نواح متفرقة من العالم العربي، دعاهم شغفهم وفكرهم للتعبير عن رؤاهم الفنية بواسطة أفلام غير تجارية وغير تقليدية، ينحازون فيها بما يرون في توليف اللغة السينمائية بحسب رؤاهم وهاجسهم في العمل السينمائي المغاير، لا سيما مع انعدام ميزانياتهم المالية التي تمكنهم من تحقيق أفلامهم بالطرق التجارية التي يرفضونها.
سنقف في عجالة مع ظاهرة السينما المستقلة Independent Cinema أو سينما الـUnderground أو حتى ما يسمى بالسينما البديلة أو سينما الديجيتال، والمصطلح لا يزال إشكالياً، ونبع على الأرجح في النقد السينمائي والصحافة الفنية.. إنها ظاهرة أو «تيار» نشأ بظروف ديناميكية وغير مقصودة، أنتجت ضمنه أفلاماً صُوِّرت وعُرِضت بوسائل رقمية من دون الحاجة إلى تحويلها إلى أشرطة 35 مم.
إنها الأفلام التي يتم إنتاجها خارج منظومة الشركات المتخصصة في الإنتاج والتوزيع والتسويق التي تتحكم في صناعة السينما عادةً، وكذلك بعيداً عن فنيي التصوير ومهندسي الصوت والاضاءة والمونتاج المحترفين، وأيضاً من دون الاستعانة بالممثلين من النجوم الكبار، إلا بقدر شراكات مفردة أحياناً، وفي الغالب من الصف الثاني أو الثالث من الممثلين، لعدم القدرة على دفع أجور ممثلي الصف الأولى.
تجريب منفتح
نلاحظ تميّز الكثير من أفلام السينما المستقلة بخروجها عن الخط المألوف، وارتفاع قيمتها الفنية والابداعية؛ وبالطبع لا يخلو بعضها من الوقوع في أخطاء فنية، رغم تقديمها محتوى أكثر حرية ومغايرة.
لقد ركزت الأفلام المستقلة على طريقة التعبير الخلاّقة عن المشاعر والتجارب عبر إعادة تشكيل نظرية الفيلم؛ متبعة أسلوب التعبيرية Expressionism، وأحياناً التعبيرية الرمزية، وليس نقل الواقع بصرياً كما الحال مع الانطباعية الخالصة Impressionism؛ بل أحياناً تنحاز الى التعبيرية التجريدية Abstract Expressionism وتعمل على إعادة التركيب بواقعية أكثر قرباً من الحياة.
وانطلقت بتجارب فردية بعد منتصف عقد الألفية الأول، أي منذ سنة 2005، أو قبلها أو بعدها بقليل، في دول الخليج، أفلام قصيرة متذبذبة المستوى ومعظمها يميل للضعف. ولكنها في المغرب العربي ظهرت متماسكة أكثر، وفي مصر ظهر فيلمان طويلان ناضجان للمخرجين إبراهيم البطوط «إيثاكي» وأحمد عبدالله السيد «هليوبوليس»، وإن كانت هناك ارهاصات سابقة تعود الى 1998 بفيلم «حبة سكّر» للمخرج المصري حاتم فريد، حيث يشار إليه بأنه صاحب أول فيلم روائي مستقل.
ملامح التجريب
1- ينطلق توجهها والفكر المحرك لها من انفتاح التواصل بين البشر الذي يُحتّم ألا يقتصر الطرح على عرض القضايا وتشكيل الوعي فحسب، بل ينحو الى الخوض في معاناة الإنسان وصراعاته بحسب معطيات عصره وواقعه.
2- إنها أفلام تتحدث عن سيكولوجيا المجتمعات والأقليات سواء الرأسمالية أو الكادحة، عن الأفراد والأسئلة التي تؤرقهم، شخصيات متأزمة يحاولون عيش الحياة المبتغاة، وهي أيضاً تقترب من شخصيات مسالمة ومحبة ومتوازنة وشواغلها معتادة.
3- موضوعاتها ليست واقعية سوداوية، فمنها ما هو تأملي ووجودي وفلسفي وجمالي، حتى لو كانت تحمل جماليات القبح أو البؤس النبيل، ولكنها دائماً تنظر للهوامش والمهملات المؤثرة في المتون. قد يكون مخرجوها تأثروا بروح قصائد النثر، وروايات تدفق تيار الوعي، ونظريات كسر حاجز الإيهام في المسرح البريختي.
4- يخلط الفيلم المستقل السرد الروائي بالتسجيلي وبالوثائقي والإخباري، بحيث يتم التصوير في المواقع الطبيعية، فلا ميزانية لبناء الديكورات في الاستديوهات التي يجب أن تُؤجّر. ويتم إنتاج الصوت والمكساج بعد التصوير وأثناء التصوير، وتُخرَج الموسيقى التصويرية Soundtrack والمؤثرات السمعية بعد التصوير.
5- قد يكون الفيلم بأكمله خالياً من الموسيقى Free of music، وقد نفذت بعض الأفلام في اتجاهات أخرى بهذه الطريقة، وهي تقنية استخدمت في أفلام احترافية تجارية عالمية، مثل فيلم Dog Day Afternoon «عصر يوم قائظ»، وكذلك فيلم المخرج عباس كيارستمي The WindWill Carry Us «الريح سوف تحملنا».
6- يفضّل المخرج أن يتم التصوير بكاميرا ديجيتال مثبتة أو محمولة بالأيدي، وبناء عليه فإن كل حركة مهزوزة تكون مقصودة ومرحباً بها، فليس هناك إمكانية للتصوير باستخدام رافعه «كرين» Crane أو عربة على قضبان Shario. وفي المقابل، قد يشرع فني الاضاءة في استخدام مصادر إضاءة خارجية طبيعية أو آلية غير مكلفة، ولمدير التصوير أن يستخدم تقنيات بصرية أو فلاتر الصورة، لتقريب الإحساس بالوقت والحالة الدرامية المقصودة.
7- ينتقي المخرج ممثليه Casting بحيادية تامة من ممثلين يقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى، ويستند في ذلك على رؤيته الذاتية، ويقوم بتدريبهم بنفسه. كأن تبحث عن موديل واقعي لشخصيتك الدرامية.
8- حدث مع بعض مخرجي الأفلام المستقلة أنهم لم يكتبوا ولم يستعينوا بسيناريو تقليدي، يشمل حواراً Dialogue محدداً، لكنهم قد يكتفون بوصف محتويات اللقطة والمشهد، ثم يجعلون الممثلين يرتجلون الحوار بأنفسهم، كما كان يفعل فيلليني في السابق، وذلك يضمن قدراً من العفوية والتلقائية والأداء الطبيعي.
9- نحَتْ بعض الأفلام إلى إظهار الصورة (سينماتوغراف) بالأبيض والأسود، فعند ربط هذه التقنية بعناصر السرد والغاية الساعي لها المخرج، يمكن أن تكون أداة فاعلة في تأثير الفيلم. كما في فيلم ألكساندر باين «نبراسكا»، الذي يعزز فيه التصوير بالأبيض والأسود.
10- على عكس ما يتصور البعض أنها أفلام تدور حول الشخصيات، إلا أنها في الحقيقة تتمحور حول مبدأ أو قيمة أو فكرة أو عنصر فلسفي أو سياسي أو حالة، ويتم التعامل مع الشخصيات على اعتبار أنها مجرد نماذج في دراما بانورامية.
أفلام بارزة
من أبرز أفلام السينما العربية المستقلة، وفقاً لمشاهدات خاصة، سيتم ذكرها فيما يلي من دون حصر أو ترتيب زمني لصدورها، ليتتبعها القارئ ويحاول مشاهدتها، مع الأخذ في الاعتبار أن منها ما هو روائي، ومنها ما هو وثائقي وتسجيلي، وأيضًا ما هو قصير وطويل، ومنها ما تتراوح مدى استقلاليته بين الكاملة والجزئية.
مصر
أولها أفلام مصرية لإبراهيم البطوط: «ايثاكي»، «عين شمس» و«حاوي»، «الشتا اللي فات» و«القط»، ثم أفلام أحمد عبدالله السيد: «هليوبوليس»، «ميكروفون»، «فرش وغطا» و«ليل/خارجي»، ثم «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد، «ورد مسموم» و«جلد حيّ» لأحمد فوزي صالح، و«الخروج للنهار» لهالة لطفي. وكذلك «فستان فرح» لجيهان إسماعيل، و«فريدة» لأحمد الشال، و«ثلاث ساعات بعد منتصف الليل» و«حكاية» للمخرج مهند الكاشف، و«هدية» لمصطفى عطا، و«كوزمس» لآلاء سعد الدين، فضلاً عن «أخضر يابس» لمحمد حامد. و«بصرة» و«قابل للكسر» لأحمد رشوان، و«هرج ومرج» لنادين خان، و«عشم» لماجي مرجان، و«علي معزة وإبراهيم» لشريف البندارى… وغيرها الكثير طبعاً.
الجزائر
نجد «الوهراني» للمخرج إلياس سالم، و«هواجس الممثل المنفرد بنفسه» للمخرج حميد بن عمرة، و«أطلال» لجمال كركار و«في راسي رونبوان» لحسان فرحاني، و«الفحام» لمحمد بوعماري، و«عمر قتلتو الراجلة» لمرزاق علواش، و«يوم في حياة متظاهرة جزائرية» الوثائقي المصوّر بالكامل بهاتف محمول للمخرج كريم عينوز.
المغرب
«بيع الموت» فوزي بنسعيدي، و«طريق العيالات» فريدة بورقية، و«أماكننا الممنوعة» ليلى كيلاني، و«وداعاً كارمن» محمد أمين بنعمراوي، و«الطريق إلى كابول» إبراهيم الشكيري، و«سرير الأسرار» الجيلالي فرحاتي، و«في بلاد العجائب» جيهان البحار، و«كلِب» حليمة الورديري، و«ضربة في الرأس» هشام العسري.
السودان
«ستموت في العشرين» أمجد أبوالعلا، و«الحديث عن الأشجار» صهيب قسم الباري، و«أوفسايد الخرطوم» مروة زين، و«نيركوك» محمد كردفاني.
العراق
محمد الدراجي وفيلم «أحلام»، وعدي رشيد «غير صالح للعرض»، و«خزان الحرب» للمخرج يحيى العلاق و«عيد الميلاد» مهند حيال و«اطفال الله» لأحمد ياسين و«اطفال الحرب» ميدو علي و«طيور نسمة» نجوان علي وميدو علي و«قطن» و«احمر شفاه» للؤي فاضل و«همس المدن» و«حياة ما بعد السقوط» و«حاجز سوردا» و «مرايا الشتات»، للمخرج قاسم عبد. وأفلام سحر الصوّاف «عمو معن» و«أم عبدالله». وبعض من أفلام خيرية الصواف وعشتار ياسين وعايدة شليبفر.
بلدان عربية متفرقة
«نورا تحلم» للمخرجة التونسية هند بوجمعة، و«فرق 7 ساعات» للمخرجة الأردنية ديما عمرو، و«بين الجنة والأرض» للفلسطينية نجوى النجار، و«في المنتصف» وعدد من أفلام المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، منها «حتى إشعار آخر» و«أيام طويلة في غزة» و«الملجأ» و«رباب» و«وراء الجدران» وغير ذلك الكثير.
وللمخرجة اليمنية مريم الذبحاني «اليمن في 100 دقيقة» لحميد عقبي، وأفلام اللبناني فيليب عرقتنجي، منها «البوسطة» و«تحت القصف».
خليجيًا
نجد أفلام المخرج مقداد الكوت «موز» و«شنب» وهناك أيضاً «الستارة» لمنصور حسين المنصور و«حاتم صديق جاسم» لأحمد إيراج و«إعلان حالة حب» خالد بطي الشمري، «المدينة الضائعة» إخراج حسن عبدال، «همسات الخطيئة» لعبدالرحمن الخليفي، وفيلم «محطة رقم واحد» للمخرج صادق بهبهاني، و«أليسا خطفها جميل» لمحمد خورشيد و«جارنا بو حمد» وهناك أفلام بين المستقلة والاحترافية التجارية منها «سرب الحمام» لرمضان خسروه و«هامة» لخالد سعد الرفاعي.
البحرين
نقف عند تجربة المخرج محمد راشد بوعلي وأفلامه «غياب»، «البشارة»، «كناري» و«الشجرة النائمة»، وقبله أفلام المخرج بسام الذوادي «الحاجز»، «الزائر»، «حكاية بحرينية» وغيرها.
السعودية
للمخرج محمود صباغ وفيلميه «بركة يقابل بركة» و«عمرة والعرس الثاني»، وكذلك عبدالمحسن الضبعان وفيلمه «آخر زيارة»، وعبدالإله القرشي «رولم»، وربما أفلام عبدالله آل عياف وهيفاء المنصور القصيرة.. والقائمة طويلة مع أفلام المخرجين السعوديين الذين صنعوا أفلامهم بصيغ مستقلة، لكنهم لم يصنفوها أو يطلقوا عليها مصطلح سينما مستقلة، بل أطلقوا عليها سينما سعودية، حيث لا يوجد أصلاً سينما تجارية في السعودية، وعليه يستقلون من ماذا؟ بل إن الكتّاب والصحافيين كانوا ولا يزالون يطلقون عليها التجارب الفردية.
الإمارات
هاني الشيباني وفيلم «حلم»، وهناك فيلم «ظل البحر» للمخرج نواف الجناحي و«حمامة» و«أمل» و«سماء قريبة» لنجوم الغانم، وبعض أفلام المخرجين خالد المحمود، عبدالله حسن، وليد الشحّي، سعيد سالمين، أحمد زين، نايلة الخاجة، عائشة الزعابي.
عمان
أفلام خالد الزدجالي «العرس» و«المناطحة». وأفلام سماء عيسى ويوسف البلوشي وعبدالله البطاشي ورقية الوضاحي وخالد الكلباني ومازن حبيب ومزنة المسافر.
المصدر: القبس