سوليوود ( الرياض )
جهاد أحمد
لا تزال السينما في السعودية فتيّة، بحاجة إلى قفزات متباعدة كي تنال مرتبة متقدمة، وتحقق تأثيرات اجتماعية وثقافية في العالم العربي.
في دول مشهود لها بالإنتاج الغزير، مثل فرنسا ومصر، وحتى الولايات المتحدة، كانت الدولة خير داعم وموجه للإنتاج السينمائي، لتؤثر هذه الصناعة في مئات الملايين من المشاهدين حول العالم، في وقت تتجه مطالبات السينمائيين في السعودية إلى دعم حكومي لإنتاج أفلام قيمة، تعوض غياب هذه الصناعة عن البلاد نحو ثلاثين عاما.
السينما و”مصنع الرجال”
تمتد جذور دعم الدول للسينما إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، حينما لجأت الدول المتحاربة إلى صناع السينما لتضميد جراح الجنود معنويا، وإظهار جيوشهم بصورة الجيش الذي لا يقهر، والجندي الشجاع الذي قاتل حتى الرمق الأخير من أجل بلاده، ودعم الموقف السياسي للمسؤولين لتأكيد سلامة موقفهم إزاء تلك الحروب.
وكان في هذا الصدد وزير الدعاية لدى “هتلر” جوزيف جوبلز من أشد المعجبين بالتأثير النفسي للسينما، فصنع أفلاما تروج للنازية، وتزيد من ولاء الشعب لهتلر وأفكاره، وتصديره للجماهير بصورة “المخلص”. أما مصر، فقدمت بدورها أكثر من أربعة آلاف فيلم على مدى 100 عام، لتكون الأغزر عربيا برصيدها الثمين، واستطاعت أن تدعم الدولة صناعة السينما من خلال عدد من المؤسسات والصناديق والجهات طوال عقود طويلة، ولا يزال تكليف القوات المسلحة المصرية للفنان الكوميدي الراحل إسماعيل ياسين راسخا في الأذهان، حينما أدى بظرافته المعهودة في الخمسينيات أفلام “إسماعيل ياسين في البوليس”، في الطيران، في الجيش، في البحرية، وغيرها من الأفلام التي حملت اسمه وبطولته المطلقة، للترويج للجيش وأسلحته، التي ترسخ فكرة “الجيش مصنع الرجال”، وتحث الشباب على الإقبال على التجنيد.
وفي الولايات المتحدة أنتجت مئات الأفلام التي جاءت لتؤكد على فكرة الجندي البطل، ذي المهارات الأسطورية، الذي يحقق مهمات مستحيلة من أجل سلامة بلاده، وأمن العالم كله.
لجنة جزائرية لإعانة السينما
في الجزائر تجربة تستحق الذكر في مجال دعم الدولة للسينمائيين، حيث أنشأت الدولة قبل سنوات لجنة للقراءة وإعانة السينما، وهي لجنة مكلفة بدراسة طلبات الإعانة لإنتاج الأفلام السينمائية، ودعمها من خلال صندوق تنمية الفن السينمائي وتقنياته وصناعته.
وتتكون اللجنة من تسعة أعضاء، يعينون لمدة سنتين قابلة للتجديد، يتم اختيار أعضاء اللجنة من بين المهنيين في عالم السينما والخبراء والشخصيات المعروفة بكفاءتها في مجال السينما والتاريخ والآداب والثقافة.
ومن اللوائح المنظمة لعمل اللجنة سرية مداولاتها، وعدم إمكانية ترشحهم للحصول على الإعانة، كما يجب أن لا تربطهم أية مصلحة مباشرة بمقدم الطلب، في حين تدرس الطلبات بحسب ترتيب تقديمها الزمني، وتبدي رأيها من خلال أربعة خيارات: الموافقة، قبول مشروع الإنتاج مع تحفظات، رفض مشروع الإنتاج في انتظار إعادة كتابة السيناريو وفي هذه الحالة تمنح اللجنة مهلة للمنتج للقيام بالتعديلات المطلوبة، الرفض النهائي.
أما آثار العمل السينمائي فهي ما تحدد منح الإعانة من عدمها، من خلال التأثيرات الاجتماعية الثقافية المنتظرة، وقيمة العمل ككل. وقد صرح وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أن ثلاثة أفلام استفادت من دعم وزارته خلال عام 2017م.
ولا يقتصر دعم السينما في الجزائر على إنتاج الأفلام، وإنما يتجاوزه ليصل إلى منح إعانة لفتح قاعات جديدة للعرض السينمائي، وتجهيز قطاع السينما بمعدات التصوير أو الإضاءة أو الصوت وغيرها.
دعم مخصص لقضايا محددة
تخصص بعض الدول دعمها المالي واللوجستي نحو إنتاج أفلام تناقش قضايا محددة. ففي المغرب، يعتمد إنتاج الأفلام على دعم الدولة، حتى أن وجود أفلام باستثمار خاص أصبح أمرا نادرا، كون أجواء المغرب لا تعد سوقا للسينما، ومن أجل ذلك انطلق المركز السينمائي المغربي في ثمانينيات القرن الماضي، ليقدم موارد مالية تقدر بـ 10 ملايين يورو سنويا، خصص بعضها لإنتاج أفلام وثائقية في مجالات محددة، مثل الثقافة الصحراوية وملفات أخرى.
وفي الإمارات تجربة متميزة لصندوق أبوظبي لدعم الأفلام “سند”، فالصندوق مخصص لتمويل الإنتاجات السينمائية في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج، ويوفر الصندوق للسينمائيين العرب الموهوبين دعما ماديا لتطوير أو إكمال أفلامهم الوثائقية أو الروائية الطويلة، بحسب موقع الصندوق.
ويبحث صندوق “سند” عن مشاريع جريئة ومميزة، سواء لمخرجين جدد أو مخضرمين، وذلك بهدف تشجيع الحوار بين الثقافات والتجديد الفني والعمل في الوقت عينه على بناء شبكات تواصل متينة بين صنّاع السينما في المنطقة، كما يقدم “سند” الدعم والترويج على مدار العام للمشاريع المختارة، بغية مساعدة صانعي الأفلام للتواصل مع شركاء محتملين، والحصول على مزيد من فرص التمويل والتواصل مع الجمهور. وقد نجح عدد من الأفلام في الحصول على جوائز مرموقة من مهرجانات عالمية، مثل مهرجان برلين السينمائي، والتنافس على مقعد بين المرشحين لجوائز الأوسكار.
الدعم المبتكر
ما يميز صناعة السينما هو أن الأفلام لا تحتاج إلى مثقفين لمشاهدتها، فهي تعد الجمهور باختلاف شرائحه بدقائق مسلية، ذات محتوى هادف، توصل الرسالة، وتشبع حاجات الجمهور.
فكرة الدعم الحكومي للسينما تبدو فكرة صائبة، إذ لا تزال السينما السعودية تحاول اللحاق بركب الدول المتقدمة في هذا المجال، لتكون مخزونا ورصيدا ثمينا من الأفلام السينمائية، التي تناقش قضايا المواطن، وتجعل منه مواطنا أكثر وعيا بقضايا وطنه.
ليس بالدعم المباشر وحده تنهض صناعة السينما، ففي فرنسا على سبيل المثال تجربة تستحق أن تروى، إذ تقدم الدولة دعما مبتكرا من خلال اقتطاع ضرائب من مبيعات تذاكر الفيلم الأجنبي، وضخها في صناديق حكومية لدعم الأفلام الفرنسية، كما فرضت ضرائب سنوية على أرباح التلفزيونات الوطنية، تنفق على الإنتاج السينمائي، كما ألزمت الدولة القنوات التلفزيونية بحصة 50 في المائة من إنتاجها للأفلام لصالح الفيلم الفرنسي.
ولم تكن هذه الخطوات من أجل التأثير في الجماهير فحسب؛ وإنما لجعل الفيلم الفرنسي أكثر جودة لمواجهة غزو الأفلام الأمريكية المستوردة، من خلال المنح المباشرة التي تقدم من أجل إنتاج فيلم بجودة لا مثيل لها، في حين عملت الدولة على إنشاء معاهد ومراكز لتدريب الفنانين وكل ما يتعلق بهذه الصناعة، وصناديق لترميم صالات السينما الصغيرة، ووكالات لدعم السينما في القرى، وصممت قوانين ضد الاحتكار بكافة أشكاله.
المصدر : جريدة العرب الاقتصادية الدولية