أمجد المنيف
في السابق كانت الأفلام تُشهِر المجرمين، أمَّا الآن فهي تجعلهم أثرياء أيضًا، هذه الحقيقة قد تدفع بتنامي العمل الإجرامي بغرض التكسب، وبناء سريع للثروة، وجعل الاحتيال والتزييف، وشتى ألوان الجريمة، عملاً مستساغًا، وفكرة حضارية للتربح!
ما أعنيه، بشكل واضح، هو تحويل القصص الإجرامية لمحتوى ترفيهي. العديد من أصحاب القصص الإجرامية حولوا قضاياهم لأفلام ومسلسلات، لاقت نجاحات كبيرة، وشهرة واسعة، وقدمتهم بصور جديدة، أحيانًا تكون مضللة، حسب ما أوردت صحيفة الرياض.
في نيويورك من العام 1977، تم سن قانون تنفيذي ينص على منع المتهمين أو المُدانين بجريمة من استغلال قصص جرائمهم تجاريًا، عُرف هذا القانون باسم «ابن سام Son of Sam Law» نسبة إلى القاتل المتسلسل «ديفيد بيركوفيتز»، الذي استخدم لنفسه اسم شهرة (ابن سام) خلال تنفيذ عمليات القتل المتسلسلة، اشترط القانون حجب أي أرباح يتم الحصول عليها من بيع القصص للناشرين أو الإعلام، واستخدام الأرباح لتعويض ضحايا المجرمين، تم إلغاء القانون في 1987 لأنه ينافي حرية التعبير والنشر.. ولكن، لا تزال 40 ولاية تقريبًا تطبق القانون، ولكن بشكل غير متسق.
من أشهر الأعمال السينمائية الحديثة، عالية التداول والرواج، هو مسلسل «Inventing Anna»، الذي يرصد قصة الفتاة الروسية، المترنحة بين الأعمال والاحتيال، وحلم مشروعها الكبير الذي اخترق أبواب الأعمال المغلقة في نيويورك، حيث دفعت «نتفليكس» في 2019 لـ«آنا سوركين»، المعروفة بـ«آنا ديلفي» مبلغ 230 ألف دولار مقابل حقوق قصة حياتها، لاحقًا، تم إطلاق سراحها في فبراير 2021، وكان أول شيء فعلته هو تسوية ديونها للبنوك وتسديد غرامات الدولة.
في عام 2019، قررت ولاية نيويورك تجميد أموال «ديلفي» لمنعها من جني الأموال من العرض.. إنها المرة الأولى التي يتم فيها استخدام القانون منذ عام 2001. ولم يتم تجميد أموالها إلا العام الماضي، حتى تتمكن من رد الأموال إلى ضحاياها، وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، في 2020 دفعت 100 ألف دولار إلى بنك المدينة الوطني.
الأمر نفسه، إلى حد ما، حدث مع الفيلم الوثائقي «The Tinder Swindler» الذي يسلط الضوء على قصة المحتال الإسرائيلي، الذي استغل العديد من النساء وأموالهن بذريعة الحب، وبقناع رجل الأعمال، لم أجد مصادر تحدثت بشكل مباشر عن تقاضيه أموالاً مباشرة من «نتفليكس»، رغم الشائعات التي قالت بذلك، إلا أنه – في نفس الوقت – استغل الشهرة والشعبية التي حصل عليها من الفيلم، وصار يستفيد ماديًا من خلال البث عبر المنصات الاجتماعية ويتقاضى ما يقارب 148 جنيهًا إسترلينيًا مقابل إرسال الفيديو الواحد.. في الوقت الذي لا تزال ضحاياه يقمن بتسديد مديونياتهن!
أمَّا بالنسبة لـ«Making a Murderer»، وهو مسلسل تلفزيوني وثائقي أميركي عن الجريمة الحقيقية، فيحكي قصة «ستيفن أفيري»، الذي قضى 18 عامًا في السجن (1985-2003) بتهمة الإدانة الخاطئة بالاعتداء الجنسي ومحاولة قتل «بيني بيرتسن». واتُّهم لاحقًا في عام 2005، وأُدين في عام 2007، بقتل «تيريزا هالباخ». تم عرض الفيلم الوثائقي في 2016، ويزعم أن القاتل حصل على فوائد مادية من عرض الفيلم، مما أثار استياء أهالي ضحاياه. لم تكن تلك الفوائد مقتصرة على أرباح الفيلم المادية فحسب، بل الشعبية التي حظي بها القاتل (بطل الفيلم) في الأوساط العامة، التي جعلت الناس تشتري من خلال الإنترنت أي متعلقات تحمل صوره أو كل ما ينتمي إليه.
في المقابل، هذه الشهرة عادت بفائدة كذلك للضحايا، حيث استخدمت الضحايا الثلاث موقع «GoFundMe» لجمع التبرعات، وربحن من خلاله 100 ألف جنيه إسترليني حتى الآن. تبرع الناس للضحايا منذ إطلاق الصفحة مع ترك الكثير من الكلمات التشجيعية والمؤازرة، وشكرهن على شجاعتهن في عرض قصصهن.
الأمثلة كثيرة، والأعمال في طريقها للتضاعف، وهذا يوجب طرح العديد من الأسئلة، الأخلاقية منها في الدرجة الأولى.. فمثلاً: هل يحق لمرتكب الجرائم الاستفادة المادية؟ هل هناك فرق بين جرائم النصب والاحتيال وجرائم القتل في مثل هذه الأعمال؟ هل تغطية قصص مرتكبي الجرائم تكسبهم شعبية لدى المتابعين؟ وغيرها كثير.
ما أود أن أختم به هو التطرق لنظرية «الاستخدامات والإشباعات في الإعلام»، وكيف أن التعرض لقصص الجريمة قد يتلقاه الجمهور في اتجاهين: إمَّا التحريض على الجريمة، أو تحقيق الإشباع الإجرامي لدى المتابع، ليبقى السؤال الأبرز: هل تغطية القصص الحقيقية للمجرمين تؤدي إلى تخفيف مستوى الجريمة في المجتمع، أم أن الهدف اقتصادي بحت؟ والسلام..