سوليوود «متابعات»
أمضى غسان مسعود الشهور الماضية متنقلاً بين العلا وتبوك ونيوم السعودية. فقد شهدت هذه المواقع في السعودية حراكاً سينمائياً مهماً، يحدثنا عنه بطل فيلم مملكة السماء، كاشفاً عن تفاصيل مشاركته في فيلمين جرى تصويرهما، أخيراً، على أراضي السعودية، وهما فيلم محارب الصحراء لمخرجه روبرت ويات، وفيلم تشيللو عن رواية بالاسم نفسه لمدير الهيئة العامة للترفيه في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، ويلعب مسعود بطولة هذا الفيلم إلى جانب كل من الفنانة الكويتية سعاد العبد الله والسعودي مهند حمدي وآخرين.
يروي النجم السوري كيف بدأ التعاون مع جهات الإنتاج في السعودية، وما الأسباب التي دفعته لتلبية الدعوة للتصوير في فيلمين في وقت واحد هناك: في البداية كان وجودي في السعودية لتصوير فيلم محارب الصحراء، ومن ثم تم التواصل معي من قبل المكتب الخاص للمستشار تركي آل الشيخ لأجل المشاركة في فيلم تشيللو، وفهمت أن هناك رغبة بأن أشارك في هذه التجربة، فلبيتها.
غسان مسعود صوّر فيلمين في السعودية (اندنبندنت عربية)
في السعودية اليوم وتحديداً في نيوم، مركز إعلامي متكامل استقطب، أخيراً، مخرجين وممثلين من هوليوود وبوليوود، فكيف يرى غسان مسعود وظيفة هذا المركز، ودوره في رفد الإنتاجين العربي والدولي من الأفلام السينمائية؟ نسأله ويجيب: لقد بدأت نيوم فعلاً تجتذب صناع السينما العالمية، وهذا أمر مهم جداً، وله دلالات رائعة. كنت أقول في أحاديث سابقة، إن الفن السينمائي يكاد يكون نوعاً من الصناعات الثقيلة. الفن تأثيره هو الأقوى على امتداد الكوكب. اليوم تستطيع أن تؤثر عبر الصورة تأثيراً هائلاً لا يمكنك أن تحرزه عبر وسائل أخرى، فنحن هنا بصدد صناعة سوق، وبصدد صناعة هذه الثقافة البصرية التي يغزو تأثيرها الكوكب. تجد أن هناك فيلماً أميركياً تصنعه هوليود، وترصد لإنتاجه مئات الملايين، وتصل أرباحه في الدخل القومي إلى مليارات الدولارات. شخصياً كنت أتمنى أن نرصد تلك الميزانيات لإنتاج هذه الصناعة المؤثرة في الشارع والمجتمع العربيين، والتدخل في صناعة الرأي العام، وصياغة الوعي الجمعي لمجتمعاتنا. اليوم هذا الأمر يحدث في السعودية عبر مشروع نيوم، وهذا أمر رائع ومشرف، فلماذا لا يكون مدعوماً على مستوى المنطقة كلها؟ ويبدو أن المملكة هي الوحيدة القادرة اليوم على النهوض بمثل هذا المشروع الضخم والمكلف، وليست دول عربية أخرى لا يؤهلها وضعها الاقتصادي أن تدخل في مثل هذا المشروع. لماذا لا تكون السعودية هي قاطرة هذا المشروع الأولى؟ لمَ لا ما دامت الإمكانات متوفرة؟ وعلى فكرة المنطقة في تبوك والعلا ساحرة وجميلة. أرض بكر وعذراء تصلح لإنجاز العديد من المشاريع السينمائية الكبرى على المستوى العالمي، فلماذا كمثقفين وفنانين عرب لا نكون من أول الداعمين لهذا المشروع ؟.
محارب الصحراء
يلتزم غسان مسعود عند سؤاله عن تفاصيل دوره في فيلم “محارب الصحراء” بالعقد المبرم مع الشركة المنتجة، وذلك بعدم تسريب معلومات عن هذا الفيلم أو نشر أي صور من أجواء التصوير، أو صور لشخصية النعمان بن المنذر التي يقوم بأدائها: “كل ما أريد أن أقوله، إنه فيلم بذلنا فيه جهداً جباراً لدرجة أنني تعرضت لإصابة في ظهري أثناء التصوير، ولم أعلن عنها، والحمد لله، تلقيت وقتها العلاج في مستشفى الملك سلمان العسكري، وأموري الآن جيدة. لكن دعني أقول، إننا نعول كثيراً على هذا المشروع، وأنا شخصياً متفائل جداً بأن يكون مؤثراً، لأن محتوى “محارب الصحراء” مرتبط بشكل أو بآخر بالذاكرة العربية. فالفيلم يوثق لمعركة ذي قار التي تجتمع فيها لأول مرة في التاريخ كلمة العرب حول راية واحدة، فلقد وحدت هذه المعركة القبائل العربية المتناثرة ضد الفرس، وهذا أمر جلل نبكي عليه، ونحن إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
الفن الجاد يحتاج إلى الترفيه ليصل إلى الجمهور (اندنبندنت عربية)
لا يخفي مسعود إعجابه بالإمكانات التي وفرتها خبرات سعودية لإنجاز فيلم “محارب الصحراء” إذ يقول شارحاً: “نفذت أعمالاً عديدة في هوليوود وتركيا وبريطانيا وإسبانيا، ووصلت مشاركاتي في أفلام عالمية إلى قرابة سبعة عشر فيلماً، ولم أجد أي فرق في أن أكون في أميركا أو في صحراء تبوك، سواء لوجيستياً، أو كخدمات وعلاقات مع الممثل. وكان من اللافت فعلاً حضور أكثر من مئتين من الشباب والصبايا السعوديين الدارسين لفن السينما في أرقى أكاديميات الغرب. ولفتت نظري مشاركتهم في إنجاز فيلم “محارب الصحراء”، فرأيتهم يعملون بحيوية، وقد توزعوا كل حسب مهمته على فرق الإخراج والإنتاج والتصوير والماكياج والديكور الخاصة بالفيلم. وهذا مؤشر رائع ليكسب هؤلاء الخبرة من هذه المشاركة، مما من شأنه أن يؤسس في المستقبل كوادر سينمائية وطنية صرفة في السعودية تستطيع أن تقوم بمهام أولئك الضيوف الذين يأتون من أميركا أو الهند أو أوروبا. هذا كان أشبه بأكاديمية حية على أرض الواقع، مما سيكسب الشباب السعودي خبرة رائعة، ويجعلهم يتصدورن في مقبل الأيام مشاريع سينمائية كبرى بأنفسهم، وسيؤسس بالتالي لجيل كامل يستطيع أن ينهض بكل متطلبات السينما كفن صعب ومكلف ومركب”.
“مع وقف التنفيذ”
يخوض بطل مسلسل “سيرة آل الجلالي” اليوم تجربتين جديدتين في دراما بلاده، وهما مسلسلا “مع وقف التنفيذ” لمخرجه سيف سبيعي، و”البوابات السبع” لمخرجه محمد عبد العزيز، فكيف يرى إلى واقع الدراما التلفزيونية السورية اليوم؟ يجيب: “من حيث الشكل يبدو أن الدراما السورية بدأت تلملم نفسها كي تقف على قدميها من جديد، بدليل أن عدداً كبيراً من الأعمال السورية اليوم قيد التصوير، وهذا في رأيي مؤشر إيجابي من حيث الظاهر. لكن من حيث المحتوى والمضمون فلا بد للمنتجين الذين يأتون إلينا من هنا أو هناك، أو المنتجين المحليين من داخل سوريا أن يتعاطوا بالجدية المطلوبة مع مسألة الإنتاج، ولا بد أن يعرفوا أننا أصبحنا في مكان آخر لا يشبه ما كان عليه الوضع قبل عام 2011 . وهو مكان آخر من حيث التفكير بالعقل الإنتاجي، وذلك كي يستطيعوا أن يجذبوا إليهم الأسماء الكبرى، نجوماً أو نجمات أو مخرجين أو كتاباً أو فنيين. وذلك كي لا يقارن هؤلاء بين تجربتهم داخل سوريا أو خارجها، فيضطرون للعمل خارج سوريا. أكرر على المنتجين أن يستقطبوا هؤلاء لكي يكونوا فعالين بإعادة إحياء نهضة الدراما السورية إلى ما كانت عليه في يوم من الأيام”.
في دور درامي (اندبندنت عربية)
ويتابع مسعود: “أظن أن المحتوى السوري كانت له خصوصيته التي كانت تميزه قبل الحرب وما بعدها. هذه الخصوصية كانت تستطيع الغوص في المجتمع، وتنبش ما في داخله من مشاكل، وتطرحها على الرأي العام. بهذا المعنى أرى أن مسلسل “مع وقف التنفيذ” لكاتبيه علي وجيه ويامن حجلي، يلامس هوامش جيدة جداً في المجتمع السوري، ويطرح سؤال “أين نحن كسوريين؟” وهذا سؤال خطير وصعب”.
أما بخصوص مسلسله الجديد “البوابات السبع” لمحمد عبد العزيز فيتحدث مسعود بحماسة عنها، كاشفاً عن هوية هذا العمل: “هو مسلسل تجريبي نغامر به، والأمل أن ينجح جزؤه الأول المكون من سبع حلقات، كي نكمل تصوير أجزائه التالية. وهو عمل يمكن أن نصنفه ضمن خانة الخيال العلمي، بحيث يقدم مدينة دمشق عبر بعديها الأسطوري والتاريخي، سارداً حكاية أبواب دمشق السبعة التاريخية. وهناك أسرار سيطرحها المسلسل أخشى أن أقول إنها قريبة من أسرار أهرامات مصر، وهي أسرار مهمة ومثيرة، سوف نحاول طرحها عبر كثير من الغموض والتشويق والوثائق. أؤدي في “البوابات السبع” شخصية الإله تموز الذي تصوره المثيولوجيا السورية القديمة بأنه كان يعيش ستة أشهر، ويموت ستة أشهر، فهو يعيش ويموت في كل الأزمنة”.
“حلم ليلة صيف”
توقف مسعود، أخيراً، عن إجراء تمارينه على مسرحية “حلم ليلة صيف” لشكسبير، نظراً لانشغاله في تصوير أعمال للسينما والتلفزيون، فهل غير رأيه، أم ماذا؟ يجيب: “إطلاقاً لم أغير رأيي، وقد اخترت “حلم ليلة صيف” قاصداً متعمداً، وبهذا المعنى فإنني لا أذهب إلى أي مشروع مسرحي بالصدفة، أو كواجب، أو لأنني أحب الإخراج، بل أذهب إلى المسرح لأنني أريد أن أقول شيئاً عبره، لكنني أريد أن أقول شيئاً ضمن مستوى من الترفيه يجذب المتفرج، ولا أتنازل أبداً عن جانب الترفيه الذي هو حق مشروع للمتفرج، على تباين مستويات وعيه، من الإنسان البسيط إلى خريج أكسفورد أو السوربون. أريد أن أرفه وأمتع الناس، أريد أن آخذهم من داخل هذا الترفيه ومن داخل هذه المتعة، إلى الصعب في العرض المسرحي”.
يتابع مسعود متكلماً عن مشروعه المسرحي الجديد: “لقد أردت من خلال “حلم ليلة صيف” أن أطرح مثالاً: إذا أردت أن تقدم عرضاً مسرحياً سواء لكاتب بوزن شكسبير، أو لكاتب محلي اليوم، يجب ألا تتنازل عن عناصر العرض المسرحي. ولا أن تتخلى عن الترفيه المضمر في هذه النصوص، لا سيما نصوص شكسبير. فهذا الترفيه المضمر عليك أن تظهره للمتفرج المسرحي كي تصبح جاذباً، وأن تنهض بوعي المتفرج تراكمياً. وقد قمت بإعداد النص بالتعاون مع ابنتي لوتس، ولهذا تعمدت ألا أسمي أي عرض قدمته على أنه عرض كوميدي أو تراجيدي. لا أضعه ضمن نوع لأن النوع زلق، فهو يجعلك تنزلق إليه، وهذه وجهة نظري، وأعتذر هنا من كل المسرحيين الذين سبقوني. فعنونة العرض تحت شعار أي نوع درامي يجعلك تنزلق لخدمة العنوان. ويبدأ العرض يتسرب من بين أصابعك، فتخسر مع الناس كل الناس. أحياناً أضحي بمئة متفرج لعروضي لصالح أن أكسب ألف متفرج، أتسلل إلى وعيهم، وذلك كي أذهب بهم إلى مكان آخر في الوعي المسرحي والبصري والجمالي والمعرفي”.
ولكن لماذا “حلم ليلة صيف” نسأل غسان ويجيب: “هذه المسرحية ستوفر لي مستوى من الفرجة، والمتعة البصرية، ومستوى من الكوميديا الترفيهية الصرفة، ومستوى من المعرفة والجمال، وتاريخ كتابة المسرح الكلاسيكي كما وضعه شكسبير. وستوفر لي هذه المسرحية كثيراً مما أفتقده في نص معين محدد معاصر أو غير معاصر. إذ يجب على الجمهور في هذا العرض أن يجد مصالحه الفرجوية. فمن يريد الترفيه سيجده، من يريد ثقافة بصرية سيجدها. من يريد التعرف إلى الكتاب الكلاسيكيين في المسرح العالمي سيجدهم. ومن يريد التعرف إلى اللغة العربية الفصحى التي بت أخشى أنها أمست غريبة عنا في هذه الأيام، سيجدها، ومن يريد التعرف إلى موسيقى مختلفة عما هو السائد من موسيقى الشارع سيجدها، ومن يريد التعرف إلى مهارات الممثل عندما تضعه في شرط مختلف سيجدها في العرض. كل هذه العناصر سيجدها الجمهور في “حلم ليلة صيف”، وتعلم أن المسرح تراجع اليوم بفعل عروض الأون لاين وتفشي وباء كورونا، ولهذا لا أريد أن أتنازل عن شروط الفرجة. وبالتالي يمكننا عبر هذا النص الشكسبيري الساحر، أن نضع تجاربنا إزاء مسارح وتجارب نعرفها عالمياً استطاعت أن تخلد. فلم لا؟”.