عبد الله العولقي
ربما بلغت العولمة أوج توسعها الثقافي بانتشار منصة نیتفلکس بهذه الصورة المتغلغلة في عمق المجتمعات البشرية، ولعل آخر صيحاتها الربحية فيلم أصحاب ولا أعز والذي أثار ضجة واسعة على منصات التواصل العربية، حسب ما أوردت صحيفة مكة.
يعتبر الفيلم نسخة مقتبسة من فيلم إيطالي لم يحقق أي شهرة في السينما الأوروبية، كما أن بعض أفكاره قد تناولتها بعض الأفلام العربية ولم تحقق أي ضجة أو حدث إعلامي بهذه الصورة، فلماذا كل هذا الدوي حول هذا الفيلم؟ ربما تعود الأسباب إلى توقيت العرض والذي يتزامن مع الحملات الإعلامية العالمية لدعم المثلية وتأييد القضايا الجنسية وهذا ما شكل صدمة ثقافية كونها أفكارا تتعارض تماما مع ثقافتنا العربية والإسلامية.
لا شك أن الفن رسالة، وقد أنتجت السينما العالمية مئات الأفلام الخالدة والتي لا تزال عالقة في الذاكرة الإنسانية، وهناك دراسات نفسية وأبحاث اجتماعية مهمة حول الأدوار التي تلعبها أفكار السينما في تشكيل ثقافة ووعي الأجيال الناشئة وفئة الشباب، ومن هنا تكمن خطورة هذه الأفلام المتعارضة مع فطرة الإنسان وغريزته السوية، كما يحضر التساؤل الأهم عن ماهية الرسالة التي يريد صناع محتوى هذه الأفلام إيصالها بين المجتمعات العربية؟ فلو آمنا بأن البشرية قد تشكلت منذ عدة قرون على ثقافات متعددة ومجتمعات متباينة كطبيعة إنسانية لا خلاف عليها، فلماذا تصر الحملات الإعلامية على جعل الثقافة الأميركية والغربية هي المعيار الحضاري للبشر؟ ولماذا يصنف ما سواها في خانة التخلف والرجعية وعدم التوافق مع متطلبات العصر؟!
المجتمعات العربية تعاني من عشرات القضايا الشائكة والتي تعد أهم بكثير من طرح مثل هذه المواضيع الحساسة والتي تتنافى مع قيمها الثقافية، فعلى مستوى النقد السينمائي العربي هناك ظاهرة لدى بعض النقاد لا تجد لها تفسيرا في أدبيات النقد الثقافي، فجل المواضيع والأفكار التي تتعلق بالانحلال والشذوذ يتم وسمه بالإبداع والرقي حتى ولو كان المضمون يقبع في أسفل المعيار النقدي!! والأمثلة على ذلك كثير.
الفيلم بطبيعته ممل جدا نظرا لأن مشاهده تدور في مكان واحد تقريبا، وحواراته متكررة ولا تخرج عن الترويج لثلاث رسائل هي حرية الجنس والخيانة الزوجية والشذوذ الجنسي، وكل المنافحين عن الفيلم يدورون في فلك فهمهم العقيم لمعنى الحرية المطلقة، وهي فكرة لا توجد إلا في فكر الفلسفة المثالية المفرطة، لأن الحرية بدون ضوابط هي فوضى وانفلات لا تتوافق مع طبيعة العقل البشري السوي، والترويج لذيوعها بدون فهم لمغازيها ومآربها هو الجهل بعينه.
وفي الختام.. الفيلم لا يحقق أي قيمة فنية للمشاهدين، ولا يساهم في سمو الذائقة الفنية للمتابعين، بل هو محاولة لاغتيال الفطرة السليمة وتهميش لدور الوالدين في التربية، وإن كان ولا بد من استنساخ السينما الغربية فهناك أعمال في منتهى الروعة والإبداع وتلامس المعاني الإنسانية في أسمى صورها، ولا توجد موانع في إصدار نسخ عربية منها بدلا من دناءة تلك النسخة الإيطالية.