سوليوود «متابعات»
عرض فيلم «رسالة فرنسا» French Dispatch أحدث أفلام المخرج الأمريكي ويز أندرسون، لأول مرة في مهرجان «كان» الماضي، ثم تنقل بين عدد من المهرجانات الأخرى، وأحدثها «الجونة»، حيث عُرض بالتزامن مع عرضه العام في عدد من دول العالم، وفقًا لما ذكر ه موقع الرؤية.
«فرنش ديسباتش» هو الفيلم العاشر لأندرسون، الذي حفر لنفسه اسماً وأسلوباً مميزاً في السينما العالمية من خلال أعمال مثل «عائلة تينينباوم الملكية»، و«فندق بودابست الكبير»، «وجزيرة الكلاب».
العنوان الكامل للفيلم هو The French Dispatch of the Liberty, Kansas Evening Sun، وهو اسم علم، يطلق على مجلة خيالية كانت تنشر بالإنجليزية من فرنسا، يرأس تحريرها أمريكي، ويعمل بها صحفيون أمريكيون وأوربيون.
ويز أندرسون ربما لا يكون معروفاً لدى جمهور السينما العريض، وأفلامه ليست من النوع الجماهيري الذي يحقق عشرات الملايين، ولكنه نجم في مجال «السينما الفنية» ودور العرض الفنية arthouse، ولديه معجبين كثيرين من عشاق السينما الفنية.
تحتاج أعمال أندرسون عادة إلى مشاهد مثقف سينمائياً وأدبياً، فمعظم أعماله مقتبسة عن أصول أدبية، وتحمل إشارات وإحالات إلى أفلام وكتب أخرى، كما أن أسلوبه الساخر وديكوراته وألوانه التي تشبه أفلام التحريك وطرق السرد غير التقليدية قد تكون مرهقة للمشاهد العادي. وينطبق هذا بشكل واضح على فيلم «فرنش ديسباتش».
الفيلم مستلهم من عالم المجلات الاجتماعية ذات الطابع الفني والثقافي التي انتشرت في منتصف القرن الـ20، وبالتحديد مجلة New Yorker الأسبوعية التي جمعت عدداً من كبار كتاب وأدباء ورسامي كاريكاتير أمريكا، وفي العالم العربي تشبه مجلة «صباح الخير» المصرية.
يحمل الفيلم تحية ورثاءً لهذا النوع من الصحافة الأدبية والفنية الذي يكاد يندثر الآن، والفيلم نفسه مبني بطريقة المجلة: مقالات وتحقيقات متفرقة في مجالات مختلفة، يقوم أندرسون بتجسيدها سينمائياً، وهي فكرة مبتكرة رغم صعوبتها، خاصة أن الفيلم يبدو كما لو كان عدداً من القصص التي لا يربطها رابط.
يتكون الفيلم من 3 فصول وخاتمة، كل فصل يسير في اتجاهين: المحرر الذي يكتب القصة، والقصة نفسها.
تدور القصة الأولى في أجواء الثلاثينيات حول سجين مودع في إحدى المصحات العقلية يهوى الرسم يكتشفه خبير لوحات فنية ويحوله إلى فنان شهير، وتدور القصة الثانية على خلفية ثورة الطلبة في الستينيات، حيث يرتبط شاب جامعي بالمحررة التي تكتب القصة والتي تكبره بسنوات كثيرة، وتساعده على صياغة بيان الثورة، وتدور القصة الأخيرة في أجواء العشرينيات حول محرر يشارك في عملية مطاردة ومداهمة لعصابة تقوم بخطف أحد الأطفال.
أما الخاتمة فهي مقال تأبين لصاحب المجلة ورئيس تحريرها الذي توفي حديثاً، وفي المقال يعلن المحررون أن المجلة لن تصدر ثانية فقد أوصى صاحبها بإغلاقها بعد وفاته.
الفيلم تحية ومرثية، ليس فقط لعالم الصحافة، ولكن أيضاً للثقافة الأوروبية ولفترات تاريخية من القرن الـ20 ذات ملامح خاصة جداً، ورغم نبرة الحنين إلى الماضي التي تميز الفيلم، فإنه يخلو من الحزن والعاطفية الزائدة، ويكاد يحمل الشعار الذي يعلقه رئيس تحرير مجلة «فرنش ديسباتش» على حائط مكتبه: «لا بكاء».!
يعتمد أندرسون عادة على نجوم التمثيل المعروفين، ولكن يقدمهم بصورة مختلفة تتفق وأسلوبه الساخر، ويضم «فرنش ديسباتش» عدداً هائلاً من هؤلاء النجوم من أمريكا وفرنسا: منهم بيل موراي، فرانسيس ماكدورماند، تيموثي شالميت، إدوارد نورتون، بينثيو ديل تورو، أدريان برودي، ليا سيدو، تيلدا سوينتون، ويليام ديفو، أوين ويلسون، جيفري رايت، ماتيو أمالريك، لينا خودري، ألكسندر ديسبلات، وحتى النجمة الأسطورة أنجيلكا هوستون تشارك بصوتها فقط كراوية للأحداث.
يصعب استيعاب جماليات «فرنش ديسباتش» إذا لم يكن لدى المشاهد معرفة بعالم المجلات المصورة، وبالتحديد مجلة «نيو يوركر» التي تكاد تعتبر أحد معالم التاريخ (ومصادر كتابة التاريخ) الأمريكي، حيث تحمل الشخصيات شبهاً ببعض كتاب المجلة المعروفين، بالإضافة إلى طريقة تبويبها وأسلوب الكتابة فيها.
كذلك يحتاج الفيلم إلى بعض الدراية بالفترات التاريخية التي يدور فيها، مثل عالم سوق الفن التشكيلي وثورة الطلبة في 1968، وعالم الجريمة في أمريكا خلال الثلث الأول من القرن الـ20.
«فرنش ديسباتش» ربما لا يكون طبق كل الناس، ولكنه، مثل بقية أعمال ويز أندرسون، له جمهوره الذي يمكن أن يفضله على الأطباق المعروفة مهما كانت حلوة المذاق. أو كما يقول الطباخ الذي يتذوق السم في نهاية الفيلم: «له طعم لا يشبه أي شيء أكله من قبل!».