سوليوود «متابعات»
المخرج التونسي المنصف ذويب من أولئك الذين لم يقدّر لهم بعد تسجيل نجاح كبير على صعيد النقاد العرب أو في المهرجانات الدولية، نعم هو عرض أفلامًا في بعض المهرجانات لكن نسبة لاهتماماته غالبًا لم يتبلور أي من أفلامه إلى شأن يتيح له تكرار التجربة وتكرارها بنجاح أعلى.
ووفقًا لموقع الشرق الأوسط، في «التلفزة جاية» كوميديا ناجحة تنضوي على ملاحظات اجتماعية جمعها المخرج الذي كتب السيناريو بنفسه ووزعها جيدًا عبر شخصياته والأحداث التي تمر بها، إلى حد بعيد، الفيلم هو الكوميديا التي احتاجتها السينما العربية ولا تزال، هادفة من دون فرض وسلسلة السرد من دون إظهار أكثر مما يلزم من مهارات فنية.
الموقع هو قرية تونسية يضعها الكاتب المخرج في زمن غير محدد ويستثني من التسمية ما قد يعرّض المرحلة التاريخية للتساؤل، لكن إذ ينطلق كما لو كانت الأحداث وردت قبل عقود، ويبقي الإكسسوارات المستخدمة في أشكالها القديمة الأولى، تبدو عليه إمارات التحديث بالتدريج عبر توفير القليل من الإيحاءات مثل القول في أحد المشاهد «نحذّركم من مغبّة تصدير الديمقراطية المشبوهة إلى هذه الأرض الطاهرة»، وهو تعليق قد يعني أكثر من منوال فهو يرفض الديمقراطية من جهة ويهاجم الولايات المتحدة من جهة أخرى على أساس أن ديمقراطيّتها مشبوهة.
لكن السياق يبقى خفيفًا وتلك القرية ستفاجأ بزيارة مسؤول تونسي كبير فيضطرب حالها استعداداً لاستقباله، لكن هناك من لا يُبالي في مقابل المهتمّين والباحثين عن استفادة مادية ما من جراء هذه الزيارة، إجادة الفيلم تبرز من خلال الفوضى التي تصاحب الإعلان عن تلك الزيارة ومسايرة الاتجاهات والنماذج الموجودة من الشيخ الأعمى «عيسى حرّاث» وما يرمز إليه ذلك العمى، إلى الشاب المناضل الذي لا يزال يتحدّث عن فلسطين والإمبريالية وباقي الشعارات «شوقي بوقليّة» ومن المرأة التي تؤمن بنظرية مؤامرة مصدرها الرجال وترى في كل شأن صراعاً بين الجنسين «الرائعة فاطمة بن سعيدان» إلى السكرتير الحذر «جمال ساسي» وصولاً إلى الفيتوري «عمّار بو ثلجة» الذي يرأس البلدة «أقرب إلى مختارها» والذي يعتقد أنه قد يصل إلى احتلال وظيفة رسمية أعلى، الفرصة تتلألأ له حين يتّصل به الوزير ليخبره أن «التلفزة الألمانية جاية» للتصوير في البلدة وعليه التأهب لاستقبالها، هي فرصة رائعة له لإظهار حسن إدارته وحكمته، والمخرج يستخدمها بمهارة للدلالة على ما تعيشه تلك القرية من اضطراب يزداد شأناً كلما اقترب موعد الزيارة.
ينطلق المختار الفيتوري في عداد ركامات من المهام التي عليه الإقدام عليها لأجل هذا التحضير ومنها تنظيف المكان وحث صاحب المقهى «المخرج نوري بو زيد في دور صغير لأجل الصداقة» على تنظيف مقهاه، والطلب من الفنان المحلّي «حميد العبيدي» بصنع تمثال يوضع عند مدخل البلدة، ولسبب ما يصير حتميًا تصوير فيلم تاريخي يقوم به مخرج مصري «هشام رستم» تؤازره في اختيار الممثلين عضوة الجمعية الثقافية، التي لديها مشهد أهم إذ تتولّى محاولة إفهام نساء البلدة أهمية الحد من النسل بوضع أصبعيها في مانع مطّاطي والتأكيد على أن هذه الوسيلة ناجعة، النكتة التي تتردد هنا هي قيام إحدى النساء بالتأكيد أن زوجها وضع المانع في أصبعيه لكن ذلك لم يحد من النسل فرزقت بتسعة أولاد.
للأسف، يكتفي المخرج بالعرض السلس والمعالجة العامّة ولا يحاول للوصول إلى تعميق الدلالات عبر معالجة أسمك قليلاً من النسيج الماثل، تراه كان يحاول إنجاز فيلم كوميدي فعلي مليء بالمواقف والضحكات وهو ينجح في ذلك، لكن مقدار النجاح محدود والطموح كذلك. بعض المشاهد كان يمكن تطويره لما بعد ما تعرضه، مثل مشهد حجز الألمان الذين وصلوا إلى القرية لتصوير الفيلم العلمي وذلك من قِبل رجل الدين.
رغم هذه الهفوات المهمّة، يبقى «التلفزة جاية» عملاً يسترعي الانتباه لفكرته وموضوعه. غناء شبه فريد بين الأفلام الكوميدية العربية المليئة بثغرات التنفيذ والمرمية في حوض التهريج.