سوليوود «متابعات»
كل شيء في فيلم Dune أو «كثيب»، إخراج دوني فيلنيوف، يشير إلى أننا أمام مولد أسطورة سينمائية جديدة، وسلسلة أعمال جديدة على شاكلة «حرب النجوم» و«سيد الخواتم» و«هاري بوتر»، حسبما أشار موقع الرؤية.
تشير عناوين الفيلم بداية إلى أن هذا هو الجزء الأول، كما تشير أحداثه بالفعل إلى أن الحكاية لم تنتهِ بعد، وأن هذا الجزء يتعلق فقط بمولد ونشأة البطل الأسطوري بول أتريديس.
على كل حال فإن مشروع فيلم «كثيب» قد تأخر كثيرًا، أو بمعنى أدق، مر بمراحل كثيرة منذ ستينيات القرن الماضي، وبالتحديد منذ صدور الرواية التي كتبها فرانك هربرت في 1965، حققت الرواية مبيعات كبيرة وحازت عددًا من الجوائز الأدبية الرفيعة منها جائزة «هوجو» و«نيبولا»، وسرعان ما صنفها النقاد باعتبارها واحدة من أفضل روايات الخيال العلمي على الإطلاق، وفي إحصاء حديث تبين أنها أكثر روايات الخيال العلمي مبيعاً على مر التاريخ، وبالمناسبة صدرت الرواية باللغة العربية منذ 3 أعوام فقط من ترجمة محمد سلامة المصري عن دار نشر «مخطوطة 5229» في الشارقة، وهي ترجمة تأخرت كثيرًا نظرًا لما تتمتع به الرواية من شهرة عالمية، وأيضًا لأنها رواية تحفل بالشخصيات والتعبيرات والألفاظ العربية، بالإضافة إلى كونها تدور في كوكب صحراوي يشبه إلى حد كبير الصحراء العربية، وقد تم تصوير معظم مشاهد الفيلم في الأردن وأبوظبي.
من المعروف أيضًا أن المخرج ديفيد لينش قام بتحويل الرواية إلى فيلم صدر 1984 حقق نجاحًا كبيرًا، وقبل لينش كان المخرج أليخاندرو جودروفسكي قد اشترى حقوق الرواية في 1971 وكان يرغب في تحويلها إلى فيلم تصل مدة عرضه إلى 14 ساعة، وقام بالفعل بتصوير أجزاء منها، ولكن المشروع تعثر، وحسب الفيلم الوثائقي «كثيب جودروفسكي»، إخراج فرانك بافيش، 2013، كانت هذه الأجزاء مصدراً لكثير من أفلام الخيال العلمي على رأسها «حرب النجوم» لجورج لوكاس!
فيلم فيلنيوف الجديد هو إعادة تجسيد لمشروع جودروفسكي بروح وتقنيات سينمائية جديدة ومفهوم عصري مختلف.
دوني فيلنيوف صانع أفلام كندي من أشهر أعماله «عدو» و«سيكاريو» و«الجاري على حد السكين 2049» Blade Runner، والأخير فيلم خيال علمي مأخوذ أيضًا عن رواية شهيرة سبق تحويلها لفيلم شهير من إخراج ريدلي سكوت، ورغم أن فيلنيوف ليس متخصصًا في الخيال العلمي إلا أن نجاح هذا الفيلم دشن اسمه كواحد من أفضل صناع هذه النوعية من الأعمال التي تمزج بين الخيال والإبهار البصري والدراما العائلية والنفسية.
في «كثيب» تتجلى مهارة فيلنيوف الفريدة في المزج بين المشاعر والمعارك، على عكس «حرب النجوم» الذي يعلي من شأن المعارك والصور المبهرة قبل أي شيء، وعلى عكس «كثيب» ديفيد لينش الذي أخذ من الرواية عالمها الغريب، البعيد، السيريالي، الذي يتفق مع أسلوبه ورؤيته للعالم، فإن «كثيب» فيلنيوف يسير طوال الوقت على ساقين: الأولى هي القصة «العلمية» لمستقبل بعيد يتجول فيه البشر بين الكواكب، ويتمتعون بقدرات خارقة، ويدخلون، كعادتهم، في معارك طاحنة على الثروات الطبيعية، والثانية هي قصة المراهق بول ليتو «تيموثي شالميت، في دور يدشن مولد نجم شعبي جديد» الذي يعاني اضطرابات نفسبدنية وأحلام غريبة، وعلاقة لافتة بأمه جيسيكا «ريبيكا فيرجسون» تذكر بمعالجة فيلنيوف المدهشة لأسطورة أوديب في فيلمه «حرائق»، 2009، الذي تدور أحداثه في لبنان!.
يحافظ فيلنيوف في فيلمه على كثير من «المصادر» العربية في الرواية: الأسماء، مثل «لسان الغيب»، و«ظافر الحواط»، وقبيلة «الفريمين» ذات الطباع العربية، التي يقودها الإسباني خافيير بارديم، وغير ذلك من التفاصيل التي تعطي للفيلم وجهًا عربيًا صحراويًا بوضوح، خاصة أن الأحداث تدور في كوكب صحراوي تلعب فيه الصحراء دورًا أساسيًا في الأحداث، بل تشكل شخصية من لحم ودم، برمالها المتحركة التي تفغر فاها لالتهام البشر والأشياء، وجفافها وديدانها المتوحشة وامتداد أفقها الرحب، وتقريبًا منذ فيلم «لورانس العرب» في الستينيات، لم تظهر الصحراء العربية في فيلم عالمي بهذه الكثافة أو هذا الشكل.
يجيد فيلنيوف التعبير عن الروح الأدبية للرواية التي تتجاوز الأحداث والصورة السطحية، إنها بالأساس قصة «بلوغ» Coming of Age حول مراهق غض ينتقل إلى عالم الرجولة، ويتجاوز صراعاته النفسية الداخلية وصولاً إلى النضج، وهي رواية عن البشر، الذين سيظلون يتحاربون ويتحابون في المستقبل مثلما كانوا يفعلون منذ بدء الخليقة. هي أيضاً رواية عن «سر الحياة»، عن الطريقة المثلى التي نتعامل بها مع الموت، باحتضان تجربة الحياة وقبول المرء لقدره والهدف الذي خلق من أجله.
«كثيب» هو واحد من أفضل أفلام الخيال العلمي، رغم كثرتها، وذلك لأن الخيال فيها له شكل وقلب!.