سوليوود «متابعات»
اكتشف ترومان «بطل فيلم Truman Show، 1998» أنه شخص حقيقي يعيش داخل واقع افتراضي تلفزيوني، واكتشف نيو «بطل فيلم The Matrix،1999» أنه شخص حقيقي يعيش في عالم افتراضي من صنع الكمبيوتر، أما جاي «بطل فيلم Free Guy» فهو يكتشف أنه مجرد شخصية افتراضية داخل لعبة فيديو، بعد أن كان يظن نفسه إنسانًا حقيقيًا لمدة 4 سنوات هي عمر اللعبة!، حسبما أشار موقع الرؤية.
في الأفلام التي تدور بين عالمي الواقع والواقع الافتراضي يكون الانحياز دائمًا للعالم الحقيقي والبشر الحقيقيين ضد الآلات والروبوتات والشخصيات الافتراضية، لكن هنا، في «جاي الحر»، التي يمكن أن تعني أيضًا «الرجل الحر»، فإن الانحياز للشخصية الافتراضية في مواجهة مصممي اللعبة ومستخدميها، لكن لا يعني ذلك بالطبع أن صناع الفيلم يفضلون الشخصيات الوهمية على البشر الحقيقيين، ولكنهم يلعبون لعبة ذكية هدفها توعية المشاهد بالوضع الذي يعيش فيه كما لو كان شخصية افتراضية لا وجود لها في واقع اليوم!.
حقق فيلم «جاي الحر» إيرادات تجاوزت 100 مليون دولار في أقل من 10 أيام منذ طرحه في دور العرض في 13 أغسطس الماضي، وهو رقم كبير بمقاييس السوق حاليًا، وفي الوقت نفسه يحظى الفيلم بإشادات من معظم النقاد، ولعل السبب الأول وراء هذا النجاح الجماهيري والنقدي هو فكرة الفيلم التي تدور حول الحدود التي تلاشت بين الواقع والمحاكاة له، وهذا الموضوع الحيوي والخطير الذي يمس شباب وأطفال اليوم، طالما عالجته أعمال فنية كثيرة، ولكن ليس من خلال هذه الفكرة المبتكرة.
يكتشف «جاي» «رايان رينولدز» أنه شخصية غير لاعبة Non player character في لعبة فيديو تقوم على القتل والعنف والتفجيرات المستمرة، والشخصيات غير اللاعبة هي هذه الشخصيات الهامشية التي لا دور لها في اللعبة ولكنها موجودة فقط كخلفية أو لكي تؤدي وظيفة واحدة لا تتغير، مثل موظف في شركة أو شخص عابر للطريق أو رهينة في حادث سرقة، وهذه الشخصيات عادية للغاية لا تملك أيًا من القوة الخارقة التي تمتلكها الشخصيات اللاعبة.
وظيفة «جاي» كانت في بنك يتعرض للسطو كل بضع ساعات، وهو أعزب في الـ40 من عمره، مبتسم دائمًا، ولكنه حزين داخله ويحلم طوال الوقت بأن يلتقي بالفتاة المناسبة.
ذات يوم يلتقي «جاي» بفتاة أحلامه «جودي كومر»، وهي من الشخصيات اللاعبة المؤثرة، حيث تقوم بقتل العشرات والقفز والطيران وتفادي الرصاص، ويكون لهذا اللقاء أثر حاسم على شخصية «جاي» الذي يختطف نظارة أحد الشخصيات اللاعبة ويتحول إلى بطل خارق مثلهم، ولكنه دخيل، ليس له اسم أو دور في اللعبة، وهو ما يتسبب في ارتباك هائل لمستخدمي اللعبة ومصمميها.
الواقع الافتراضي الذي يعيش فيه «جاي» داخل اللعبة هو انعكاس لوجهة نظر صناع الفيلم «المؤلف مات ليبرمان والمخرج شون ليفي» في واقع اليوم، حيث تحول معظم الناس إلى شخصيات هامشية لا دور لها، مستلبة، وخاضعة، تعيش فقط من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو.
منذ أكثر من 30 عامًا كتب عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي جان بودريار أن «الصورة تجاوزت الواقع، بل أصبحت الواقع ذاته»، وهي عبارة لا يوجد أدق منها لوصف الواقع الحالي، الذي يكاد يختفي تحت فيضان الصور التي نعيش فيها.
في كتابه «في ظلال الأغلبية الصامتة» يشرح بودريار أيضًا بكلمات يمكن أن تنطبق على فيلم «جاي الحر» كيف تحولت الأغلبية إلى عبيد للسوق والاستهلاك ونشرات الأخبار والصور التي تعيد إنتاج نفسها طوال الوقت.
يكتشف «جاي» أن العالم الذي يعيش فيه وهم، ويحاول أن يتمرد، وأن ينبه رفاقه إلى زيف واقعهم، ولكنهم غير قابلين للتمرد، يقول صديقه حارس البنك: «حتى لو لم أكن حقيقيًا، فإن هذه اللحظة التي نحياها هنا والآن حقيقية».
ولكن لماذا تغير «جاي» بالذات وامتلك هذا الوعي الذي لا تملكه بقية الشخصيات؟ يجيب الفيلم على هذا السؤال من خلال قصة حب رقيقة مغزولة أيضًا بذكاء شديد تدور بين «جاي» والفتاة التي صممت اللعبة مع زميل لها وتحاول التسلل داخلها للعثور على دليل بأن صاحب الشركة قد سرق التصميم، يتبين لاحقًا أن زميلها قد وضع مواصفاتها كنموذج لفتاة الأحلام التي تنتظرها شخصية «جاي»، والتي يفترض ألا يعثر عليها أبدًا داخل اللعبة، ولكن بظهور الفتاة في اللعبة تغير وعي «جاي» وأصبح بإمكانه أن يشعر ويتمرد.
قديمة هي أيضًا فكرة أن الحب يحرر الإنسان ووعيه، ولكن «جاي الحر» يستخدم الأفكار الإنسانية والفلسفية الموروثة داخلنا ليصوغ قصة ممتعة وذات معنى لجمهور اليوم.