سوليوود «متابعات»
بعد أن حرم المواطن السعودي ما يقارب الأربعين عاماً من مشاهدة الأفلام على شاشة العرض «السينمائية»، لعدم السماح بإقامة أي صالة سينما في المملكة، وكان صناع الأفلام السعوديون يحاولون الصعود الى الأعلى من خلال بعض المهرجانات الخليجية، ويتشبثون بأي مهرجان ناشئ للمشاركة فيه وعرض ابداعاتهم التي لم تكن ترى النور في المملكة، اليوم نجدهم يتسابقون للمشاركة في المهرجانات العالمية بدعم لا محدود من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي سمح بعودة المناشط الاجتماعية والثقافية في المملكة، ومنها دور العرض السينمائية ومهرجانات الترفيه التي أصبحت علامة فارقة على مستوى الشرق الأوسط من خلال المشاركين فيها أو الأرقام الفلكية لعدد المواطنين الذين يحضرون تلك الفعاليات، وفقا لصحيفة القبس الكويتية.
المرحلة الجديدة
نسلط الضوء اليوم على تطور المشهد السينمائي السعودي الحاضر دون الخوض كثيراً في الماضي والمسببات والمعوقات، ولعل أبرز ما يميز المرحلة الجديدة هي المبادرات السعودية المعلنة للمشاركة في المهرجانات العالمية وعرض أفلام قام بصناعتها شباب سعودي، يطمح للوصول الى العالمية.
مبادرات سعودية معلن عنها وبعضها لم يفصح عنه بعد ولكنها في طريق التنفيذ حيث شاركت السعودية في مهرجان كان السينمائي في يوليو الماضي بجناح لعرض الأفلام وإعلان المبادرات، حيث «أعلن القائمون على مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن تلقيهم منحةً إضافية بـ4 ملايين دولار من هيئة الأفلام السعودية لدعم صانعي الأفلام العرب، في حين أعلن مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) عن إنتاج فيلمين جديدين «بحر الرمال» و«طريق الوادي» بشراكات بين سينمائيين سعوديين وعرب».
على هامش النسخة الرابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي شاركت المملكة العربية السعودية في المهرجان من خلال جناح سعودي أشرفت عليه هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة السعودية، شاركت فيه عدة جهات حكومية وقطاع خاص وشركات سعودية متخصصة في المجال وداعمة لصناعة الأفلام المحلية والعربية، وهي: هيئة الأفلام، وزارة الاستثمار، الهيئة الملكية للعلا، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، مجموعة قنوات MBC، إثراء، شركة نيوم، أفلام نبراس، cinewaves، تلفاز 11، Arabian Pictures، بالإضافة إلى مجموعة من صنّاع الأفلام والمهتمين في هذا المجال، ويتكرر هذا الجناح في مهرجان فينيسيا السينمائي الذي ينطلق في الأول من هذا الشهر ويستمر حتى الحادي عشر من سبتمبر 2021م.
تنوع المبادرات
وحول صناعة الأفلام والبدايات الجديدة للسينما السعودية نستطلع هنا آراء العاملين في هذا الحقل والمشرفين على تلك الصناعة من واقع المؤسسات الداعمة للمواهب الجديدة والمنفتحة على السينما العالمية.
إثراء أكبر منتج
مدير البرامج بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) الدكتور أشرف فقيه تحدث عن دور المركز في دعم صناعة الأفلام والمشاركات العالمية فقال ان «إثراء هو أكبر منتج للأفلام في السعودية منذ فيلم «جود» في 2018 ثم «وسطي» و«الكهف» و«المسافة صفر» و«خمسون ألف صورة».. كلها أنتجها «إثراء» ووجدت طريقها بفضل إبداع صانعيها للصالات خارج المملكة. تحقق ذلك في «أيام الفيلم السعودي» الذي طاف أكثر من 50 مدينة أميركية في 2017. الشغف بالمنتج السينمائي السعودي وبالموهبة السعودية حاضر دوماً في كل المحافل الدولية. المملكة هي أكبر سوق سينمائي «كامن» في العالم العربي، وهذه معلومة أكدها الحضور القوي للمؤسسات المحلية التي شاركت في الدورة السابعة من المهرجان وأعلنت عن مشاريع مدهشة مع جهات دولية كبرى. السينما في المملكة رافد حقيقي للاقتصاد الإبداعي. وفي الوقت الذي كنا نحتفل فيه بتسليم جوائز الدورة السابعة، كان فريق إثراء في الجو إلى مهرجان كان، للإعلان عن مشروعين كبيرين: فيلم «طريق الوادي» وفيلم «بحر الرمال»، كلاهما سيرى النور في 2023 إن شاء الله. إن حجم الاحتفاء الدولي بهذا الإعلان الأخير يؤكد لنا أن «إثراء» قد ثبّت مكانته كدار إنتاج سعودي ذي سمعة دولية متنامية، والرابح الأكبر بلا شك هو السينمائي السعودي.
مستقبل السينما السعودية
الباحث في السينما والصناعات الثقافية والأستاذ في جامعة الملك فيصل الدكتور عبدالرحمن الغنام تحدث حول مستقبل صناعة الأفلام السينمائية في المملكة وقال ان «مستقبل صناعة السينما في السعودية مبهر وعظيم في ظل وجود دعم لا محدود يسهم في إيجاد مساحات جديدة للإبداع والاستثمار في قطاع الأفلام والسينما. ما أود التنبيه له وهو أن الأفلام السعودية، مثلها مثل الأفلام الخليجية الأخرى، أصبح يطلب منها وبشكل متكرر وسريع ان تكون منافسة لأبرز الأفلام العربية والعالمية سواء في المهرجانات السينمائية العالمية او دور السينما الوطنية، وعدم تحقيق ذلك يعتبره البعض فشلا ذريعا وهذا غير صحيح! هل من العدل ان تتم مقايسة تجارب الأفلام السعودية في فترة بسيطة جداً بمخرجات الأفلام الأميركية أو حتى المصرية؟»
القواسم المشتركة
ويرى الغنام بأن هناك فروقات ما بين الاستثمار في انتاج الأفلام وعرضها في الدور السينمائية فيقول بأنهما “شأنان مختلفان في الهيكلة الاقتصادية، ولكنهما مكونان اساسيان لصناعة أي سينما وطنية. لكن يجب ملاحظة أن على الرغم من كون دور المشرع الوطني محوري فيما يتم انتاجه وعرضه من الافلام في دور السينما، فإن سلوك الجمهور، وخاصة في ظل الانفتاح المعلوماتي والتكنولوجي، يلعب دوراً مهماً في الفاعلية الاقتصادية لقطاع السينما والأفلام. على سبيل المثال، بريطانيا كغيرها من الدول الأخرى، عانت من سيطرة الافلام الاميركية على دور العرض التجارية المحلية. على الرغم من ان هناك قاسما مشتركا في الانتاج البريطاني مع الاميركي وهو اللغة، عدا ان الافلام الاميركية كانت تحقق إيرادات وجماهيرية عالية في دور العرض البريطانية أكبر من الافلام البريطانية نفسها، ناهيك عن استفادتها من الحوافز المالية للإنتاج الدولي المشترك في بريطانيا. لذلك في بريطانيا ومعظم الدول الاوروبية، التشريعات الداعمة للأفلام المحلية وتنظيمات الإنتاج المشترك مازالت مستمرة منذ أكثر من نصف قرن، ولكنها توجهت إلى نماذج وأنماط ومنصات جديدة تسعى من خلالها لاستدامة قطاع الانتاج الوطني، وضمان استمرار توزيع وتسويق الأفلام المحلية وانتشارها في عدة منصات عرض وليس فقط دور السينما، وبالتالي المساهمة في عكس ثقافتهم عالمياً وفي نوافذ جديدة ونمو الناتج المحلي من قطاع الأفلام والسينما.
ويختم حديثه قائلاً بأن «المقارنة ليست عادلة وأن الفيلم السعودي، وعلى الرغم من غزارة الإنتاج وجودة بعض الأعمال السينمائية خلال السنوات القليلة الماضية، فإننا بحاجة إلى سنوات من التجارب والخبرة ووجود مرونة في الأنظمة والاستراتيجيات لقطاع الأفلام حتى تَكفَل للأفلام السعودية استدامة وصولها إلى المشاهد المحلي ومن ثم الانطلاق بها لآفاق أرحب».
التدريب ضرورة ملحة
في مهرجان أفلام السعودية الذي أقيم مطلع يوليو الماضي في مركز الملك عبدالعزيز الحضاري (إثراء) شاركت المخرجة والكاتبة هناء العمير في «معمل تطوير السيناريو» الذي أُنشئ بغرض تطوير ومناقشة عدد من المشاريع السينمائية السعودية الأصلية وتهيئتها عملياً لسوق الإنتاج، وقالت بأن «المعمل يعمل بشكل مكثف مع كتاب السيناريو في مرحلة تطوير النص، وهي المرحلة التي تسبق التصوير مباشرة، وهي مرحلة مهمة للانتقال بالسيناريو لمرحلة الإنتاج».
وقالت إنّ هذه الجلسات الخاصة التي يحظى بها المشاركون هي من أهم المتطلبات للكُتّاب؛ فلكل سيناريو تحدياته الخاصة، ولذلك فالمناقشة التي تركز على سيناريو عمل ما هو ما يحتاج إليه الكاتب أكثر من أي شيء آخر، وهي مرحلة مهمة في تجويد النص لأن هناك دائماً مستوى أفضل يمكن لأي نص أن يصل إليه.
وأوضحت العمير بأن مستوى كتابة السيناريو لدى الكتاب الشباب في تطور مستمر، وقد ظهرت أسماء هامة حالياً على الساحة والقادم أجمل بسبب التركيز المتزايد على تطوير مهارات الكتاب من خلال مهرجان أفلام السعودية، وما يطرحه من دورات ومركز إثراء أيضاً ووزارة الثقافة، والدورات التدريبية المتخصصة التي تقدمها، ومسابقة ضوء، ومعمل البحر الأحمر، وأيضاً صندوق البحر الأحمر الذي طرح أخيراً تمويل لمرحلة التطوير، إلى جانب جهات خاصة أخرى، كل هذه الجهات تدعم التدريب والتطوير والدعم لكتاب السيناريو ولا شك أننا سنشهد تطوراً كبيراً في هذا المجال قريباً.
اكتمال العناصر الفنية
وأوضحت العمير أن نجاح الكتابة مرتبط بنجاح العناصر الأخرى في العمل، حتى يظهر السيناريو مكتملاً كما كتب، فكما هو معروف كل فيلم عظيم يعتمد على سيناريو عظيم، ولكن قد يكون هناك سيناريو عظيم، والنتيجة هي فيلم متوسط المستوى أو حتى أقل من الجيّد، من دون سيناريو قوي لا يمكن للفيلم أو للعمل الفني أن يكون قوياً ومتماسكاً، ولكن هذا يستلزم بالضرورة أن تكتمل العناصر الفنية الأخرى. لذلك من الظلم الحكم على الأعمال المنتهية بضعف في السيناريو في حين أنه من الممكن جداً أن السيناريو لم ينفذ بشكل جيد، لأسباب إنتاجية أو ضعف في الإخراج أو غيره من ضعف في العناصر الأخرى، لكن السيناريو الناجح هو ما يكون متماسكاً في بنائه الدرامي، وعمق في تناول الشخصيات، وطرح أصيل.
ورأت هناء بأن مستقبل كتابة السيناريو في السعودية واعد جداً، وأننا مقبولون على تطور كبير في الصناعة على كل المستويات.