سوليوود «متابعات»
لم يكد مسلسل «رشاش» السعودي ينهي منتصف مشواره حتى ثارت الأسئلة حول حقيقة الأحداث التي تعيد إحياءها الدراما البوليسية، وتنسج منها حكاية لم ترو من قبل، بعد أن بقيت دفينة الأدراج لثلاثة عقود، في وقت كانت فيه حديث كل بيت في ثمانينيات القرن الماضي.
«ليست كل الحقيقة».. هكذا صرح نجوم العمل عن مسلسلهم الذي تصدر أحاديث المجالس وقائمة المواضيع الأكثر تداولا ورواجا عبر منصات التواصل الاجتماعي منذ عرض حلقته الأولى، وكان صناعه أكثر دقة وصراحة حينما كتبوا في بداية كل حلقة من حلقاته عبارة أن المسلسل مستوحى من أحداث حقيقية، عن قصة من أرشيف الجهات الأمنية توثق جرائم قاطع الطرق الشهير، وآن لأحداثها أن تروى أخيرا في مسلسل سعودي بمواصفات عالمية.
مولد النجوم
بعد انتظار طويل، آن الأوان لأن يتجه الإنتاج السعودي إلى القصص الواقعية التي تلامس حياة الناس، فكان «رشاش»، المسلسل الذي يحاكي جرائم ارتكبتها عصابة الشاب رشاش من قطع طرق وتهديد للمارة ونهب وسرقة، انتهت بتنفيذ حكم القصاص بحقه في مدينة الرياض.
ولأن الحكاية مليئة بالتفاصيل، كان مسلسل «رشاش» ثريا بالأحداث والمواقف العصيبة، وفي خطين متوازيين، يتتبع العمل حياة رشاش وعالمه الإجرامي، وفي موازاته حكاية الضابط فهد، الذي يكرس كل جهوده للقبض على رشاش وتفكيك عصابته، والانتقام لمقتل شريكه وزميله على يد العصابة، حيث يصور العمل جانبا من العمليات المعقدة لأجهزة الأمن وبطولاتهم من أجل تتبع رشاش وأفراد عصابته واستباق تحركاتهم والتصدي لهم وتقديمهم إلى المحاكمة.
وبحسب الاقتصادية سجل «رشاش» بأنه كان مولدا لنجوم الدراما السعودية الحديثة، الذين استطاعوا أن يكسبوا رهان الجمهور، وأولهم النجم يعقوب الفرحان الذي نجح في تجسيد شخصية جهيمان وأحداثها في مسلسل «العاصوف» في جزئه الثاني إلى جانب الفنان ناصر القصبي قبل نحو عامين، ويجسد اليوم شخصية زعيم العصابة رشاش، ومن خلال أدواره المنتقاة والناجحة، أصبح الفرحان على رأس مكاسب السينما والدراما السعودية آخر عشرة أعوام، ومعه نخبة من الفنانين السعوديين الذين دلف بعضهم من خلال «رشاش» عالم التمثيل للمرة الأولى فلمع نجمهم، حيث يشارك في البطولة نايف الظفيري، خالد يسلم، فايز بن جريس، حكيم جمعة، عبدالله البراق، إبراهيم الحجاج، أيمن مطهر، سمية رضا، والفنان فيصل الدوخي صائد الجوائز السينمائية.
أما التأليف، فكان لتوني جوردان كاتب السيناريو التلفزيوني البريطاني الشهير الحائز جائزتي «إيمي» و«بافتا»، وفي رصيده عدد من الأعمال العالمية، وكتب العمل دراميا كل من الشيخة سهى آل خليفة وريتشارد بيلامي، وإخراج البريطاني كولن تيج الفائز بجائزة «إيمي» والمرشح لجائزة «بافتا»، ويعرض على منصة «شاهد» بواقع حلقة أسبوعية مدتها نحو ساعة من الزمن، حيث تعرض منتصف الليلة حلقته السادسة، من أصل ثماني حلقات.
ليس وثائقيا
بطل المسلسل يعقوب الفرحان، المقل في ظهوره عبر منصات التواصل، تحدث في مقابلة تلفزيونية بأنه خضع لتجربة أداء بداية 2020 أمام مخرج العمل، التي انطلق بعدها مباشرة التصوير، وبين أن العمل مستوحى من القصة الحقيقية، وليس تجسيدا أو وثائقيا أو سيرة ذاتية لرشاش المجرم الشهير في ثمانينيات القرن الماضي، لكنه يروي قصة مثيرة قادرة على كسب اهتمامه وإبهاره.
وأكد الفرحان أنهم تلقوا تدريبا على الأسلحة والقنص، فيما اهتم فريق العمل بأغلبية المشاهد الخطرة، مستعينا ببدلاء ومحترفين، عدا مشاهد الفنان فايز بن جريس بشخصية «عمر»، الذي أدى مشاهده بنفسه، ولا سيما مشاهد المطاردات التي تتطلب القيادة بتهور وسرعة.
وكان للحرية والثقة اللتين أولاهما المخرج البريطاني للمواهب السعودية دور في إبراز إمكاناتهم، وجعل الشخصيات حقيقية، ما أدى إلى تفاعل الناس مع القصة وأحداثها، على حد تعبير الفرحان.
ويعود يعقوب الفرحان ليؤكد أن القصة تتطرق إلى شاب توفي والده في طفولته، وعانى وضعا ماديا صعبا، وتولت والدته تربيته، إذ بذلت ما في وسعها لتصنع منه رجلا، لكنه كبر وفي داخله الصراع الذي عاش معه، وسرعان ما راح يبرر لنفسه طريق الشر الذي سلكه، في موازاة اكتشافه عمليا مقدار ما يملكه من كاريزما وتأثير في الآخرين.
فيما أكد الفنان نايف الظفيري، الذي أدى شخصية الضابط فهد، تلقيهم تدريبات رماية حية على أيدي مختصين، واتفق معه زميله فايز بن جريس، مبينا أن العمل تم في ظروف قاسية مثل فترة الحظر الكلي والإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، فضلا عن أجواء الصحراء الحارة وقسوتها.
لا ينتمي إلى هذا العالم
ما بين الخير والشر، كانت شخصية “عمر” إحدى أهم مفاصل المسلسل، فهو صديق رشاش الوفي الذي يحمل مشاعر متناقضة، يتغلب فيها الخير على الشر حينا، ويحمل براءة في داخله دائما، وعاطفة يستشف المشاهد من ملامحها أنه لا ينتمي إلى هذه الثلة.
شخصية عمر، التي يؤديها ابن جريس، تكشف عن صراع داخلي لشاب أجبر على دخول هذا العالم الإجرامي، ويعجز عن إيجاد مخرج، في انفعالات نفسية متعبة، تعايش معها الفنان وحمل أفكارها خلال تصوير امتد لنحو 13 ساعة في اليوم، طيلة شهور، إلى درجة جعلته يتحدث مع المحيطين به وكأنه عمر فعلا.
يعرف فايز بنفسه كممثل، بحسب بيان لمجموعة MBC، بأنه شاب سعودي نشأ في قرية قريبة من الرياض، وانتقل إلى أميركا لدراسة منصات التواصل الاجتماعي، فيما يخوض أيمن المطهر أول تجاربه التمثيلية في «رشاش» من خلال مصلح، الشخصية الهادئة من الخارج وفيها كثير من الغموض، وتعتمد عليها العصابة في تنفيذ المهمات الخطرة التي تحتاج إلى قرارات جريئة، لكنه شخصية عنيفة من الداخل، وأهدافه ضبابية وغير واضحة، ولديه نوع من المتعة في تنفيذ الأعمال العنيفة وغير الإنسانية.
وكانت مفاجأة المسلسل النجم إبراهيم حجاج، الذي انتقل من «الستاند أب كوميدي» إلى تجربة «الأكشن»، مقدما شخصية قحص، الرجل المخيف والقوي، الشرير والمتبلد عاطفيا، كما يقول، في حين يؤدي شخصية الأخوين سلطان ومهل الفنانان حكيم جمعة وعبدالله البراق.
فسلطان أصغر أفراد العصابة سنا، لكنه طريف وسليط اللسان، والأقل إدراكا للعواقب، ودائم التشكيك في قرارات رشاش، لكونه قليل الثقة بالآخرين، فيما نالت شخصية مهل وابلا من الإشادات على منصات التواصل، الذي أجاد اللهجة وظهر كأنه رجل عصابات مطابق تماما لما هو في مخيلة الجمهور.
الأقوى تأثيرا
حين نتناول مسلسل «رشاش» من حيث تأثيره في المشاهدين، قد يكون هو العمل الأكثر تأثيرا خليجيا، بعد مسلسل طاش ما طاش الشهير، والعمل السعودي الأول الذي يكسر تقييم 9 من أصل 10 في موقع IMDb العالمي المتخصص في الأفلام، وأسهم في ذلك توافر ترجمة باللغة الإنجليزية.
وبحسب حقائق أرقام نشرتها منصة شاهد، فإن كلمة «رشاش» تصدرت عمليات البحث على جوجل داخل المملكة خلال الـ30 يوما الماضية، محققا طفرة، كأعلى نسبة نمو في حجم البحث، فيما ظل اسم الفنان يعقوب الفرحان في قائمة الأكثر بحثا على جوجل لمدة ثلاثة أسابيع، ومشاهدات للقطات المسلسل على المنصة تجاوزت 11 مليون مشاهدة.
وكشفت أن 70 في المائة من المشاهد تم تصويرها في الصحراء، من بينها ستة انفجارات رئيسة وأخرى فرعية، في وقت كان يتطلب وجود أكثر من 120 شخصا في الموقع لتصوير مشهد واحد، وتدريبات لفريق العمل على الحركات الصعبة، كما تمت الاستعانة بـ24 ممثلا بديلا ومحترفا لتنفيذ المشاهد الخطرة، لتؤكد هذه الأرقام والحقائق خطورة التجربة وقدرتها على الارتقاء بالأعمال السعودية إلى مستوى متقدم عربيا وعالميا، وولادة مواهب جديدة تتصدر المشهد مستقبلا.