سوليوود «متابعات»
بداية من عنوانه «In the Heights» في المرتفعات”، يؤكد هذا الفيلم هويته وخصوصيته، يشير العنوان إلى منطقة سكنية مرتفعة اسمها واشنطن هايتس، مع أنها لا تقع في ولاية واشنطن، ولكن في مانهاتن في ولاية نيويورك، وهي عبارة عن حي فقير معظم سكانه من المهاجرين اللاتينيين.
وحسبما ذكر موقع الرؤية، قبل الفيلم يشير العنوان إلى مسرحية موسيقية شهيرة عرضت على مسارح برودواي لسنوات، وظلت مشروعًا سينمائيًا لأكثر من 10 سنوات، قبل أن يتحقق أخيرًا بظهور هذا الفيلم.
من أسماء الممثلين على البوستر تتأكد مرة ثانية هوية الفيلم، جميعهم تقريبًا من أصول لاتينية، وكثير منهم غير معروفين: أنتوني راموس، ميلسا باريرا، ليزلي جريس مع بعض ممثلي الأدوار الثانية القدامى مثل جيمي سميتز وأولجا ميريدز.
أما الإخراج فقد تم إسناده إلى جون إم تشو، وهو مخرج أميركي من أصل صيني اشتهر بأعماله الموسيقية والكوميدية ومنها فيلم «أسيويون أثرياء مجانين» Crazy Rich Asians الذي حقق نجاحًا عالميًا كبيرًا.
منذ الدقائق الأولى لفيلم «في المرتفعات» ندرك أننا أمام عمل موسيقي كوميدي شبيه بحكايات الأطفال Fairy Tales، وبالفعل يبدأ الفيلم بالشاب ذي الاسم المضحك يوسنافي «أنتوني راموس» يحكي الفيلم لمجموعة من الأطفال المبهورين، إنه يحكي لهم بالغناء والموسيقى قصة حيهم، وأشهر سكانه، الذين سيصبحون أبطال قصتنا خلال دقائق.
يوسنافي مهاجر جاء مع والديه من جمهورية الدومينكان وهو طفل صغير، وبعد وفاة والديه تبنته السيدة أبويلا كلاوديا «أولجا ميرديز» المهاجرة من كوبا، والتي تعتبر الأم الروحية لمعظم سكان الحي.
مثل معظم الأحياء الشعبية الفقيرة، هناك صفتان يتسم بهما معظم السكان: الحلم الفردي بالخروج من الحي الفقير وشق مستقبل أفضل في مكان أفضل، والارتباط بالحي والجماعة التي يجمع بينها الحب والتضامن والثقافة الواحدة.
هكذا يحلم يوسنافي، وتحلم نينا «ليزلي جريس» التي أنفق والدها معظم أمواله على تعليمها في انتظار اليوم الذي تتخرج فيه وتصبح شابة ذات شأن في المجتمع، وهكذا يحلم الكثيرون بتغيير حياتهم، ولكن هذا الحلم يقابله رغبة مضادة في البقاء داخل الحي: يوسنافي لأنه يحب الفتاة الجميلة فانيسا «ميلسا باريرا» ونينا لأنها خائفة من العالم الخارجي الذي ينظر للمهاجرين بعنصرية وازدراء.
ذات يوم يكتشف يوسنافي أن واحدة من تذاكر اليانصيب التي يبيعها كسبت 96 ألف دولار، ويحلم كل شخص في الحي قام بشراء تذكرة بما يمكن أن يفعله لو كانت التذكرة الفائزة من نصيبه.
يذكر هذا الجزء من الفيلم ببعض الميلودرامات المصرية القديمة، مثل «العز بهدلة» لشالوم و«أبو حلموس» لنجيب الريحاني و«المعلم بحبح» لفؤاد الجزايرلي، حيث تستكشف هذه الأفلام فكرة سقوط الثروة فجأة على حي شعبي وتأثيرها على أفراده.
ومثل حكايات الأطفال والميلودرامات المصرية يصل «في المرتفعات» إلى خلاصة أخلاقية مفادها بأن الحب والتضامن بين أهل الحي الواحد أهم من حلم الخروج والثراء، وأن التمسك بالهوية والأصل يحمي المرء من التمزق بين الطموح والإحباط، الفكرة والقصة بسيطتان حد السذاجة، ولكن «في المرتفعات» يحول هذه السذاجة إلى حالة من المتعة والجمال من خلال أغان واستعراضات مرحة وجذابة، تذوب معها الفواصل بين الحوار والغناء.
ومثل الفكرة تتسم كلمات الأغاني ببساطة متناهية، وهي مأخوذة من جمل الحوارات اليومية الشعبية، ولا يكاد يوجد فارق بين الجمل المنطوقة كحوار والجمل التي تغنى، ومثل الكلمات تعتمد الألحان الموسيقية على الايقاعات والأشكال الغنائية الشعبية، رغم أن التوزيع الموسيقي يرقى بها إلى مصاف الأعمال الفنية الكبرى، ويضاعف من جمالها الاستعراضات المنفذة بحرفية كبيرة حيث يتحول الحي وشوارعه ومحلاته وبيوته ونوافذ بيوته إلى خلفية متفاعلة مع الاستعراضات، بالإضافة طبعًا إلى فريق الممثلين من الشباب الجذّاب أصحاب الأصوات العذبة، ومع أن الفيلم، كما ذكرت، مقتبس من مسرحية، ومع أن أماكن التصوير محدودة للغاية.
لكن هذا لم يمنع المخرج جون تشو من صنع عمل سينمائي بامتياز، مستغلاً المونتاج وزوايا التصوير والأماكن الطبيعية والديكورات الواسعة لخلق فضاء مفتوح ينسجم مع انطلاق الموسيقى ورقصات الفنانين، ويحول خشبة المسرح إلى كرنفال شعبي مفتوح.
على مدار أكثر من ساعتين وثلث الساعة يقدم «في المرتفعات» وجبة موسيقية درامية من شأنها أن تثير الشعور بالسعادة والتفاؤل لدى أكثر المشاهدين تشاؤمًا!.